شكل قرار مجلس الوزراء المتعلق بالترخيص لثلاث شركات بإنتاج الكهرباء من الرياح، إنجازاً عالي الأهمية الإستراتيجية، في مجال السياسة الطاقوية في لبنان. وهو يأتي متسقاً مع الميول الحديثة للإنتقال إلى المصادر النظيفة والمتجددة للطاقة، لتَحُلَّ تدريجياً محل الطاقة المعتمدة كلياً على الوقود الأحفوري، من مشتقات نفطية وغاز وصولاً إلى إنتاج كامل الطاقة، من المصادر النظيفة والمتجددة، على تنوعها.
وعلى الرغم من نكوث الرئيس الأميركي ترامب، بتعهدات الولايات المتحدة الأميركية تجاه إتفاقية باريس لتغير المناخ، نشهد تمسكاً شديداً من كل باقي دول العالم، الصناعي والنامي على السواء، بهذه الإتفاقية وبالعمل الجاد على تطوير سياسات تتفق إستراتيجياً مع الأهداف التي وضعتها.
تأتي أهمية قرار الحكومة اللبنانية، على خلفية أزمة إنتاج الطاقة المزمنة، التي تعاني منها حكومات لبنان، منذ مطلع التسعينات حتى اليوم. مع ما ينتج عنها من تقنين واسع للتغذية بالكهرباء، في كل المناطق. وانتشار مخيف لمولدات الكهرباء، في البيئات السكنية للبنانيين وفي كل الدساكر، أحياء مدن، بلدات وقرى وضيعاً، على امتداد الجغرافيا اللبنانية. يرتب هذا الواقع كلفات عالية جداً، على المواطن اللبناني لتأمين حاجته للطاقة، في أسوأ الظروف البيئة والصحية. وفي ظروف خدمة لا تقل سوءاً.
إن هذا القرار الجريء والتقدمي، يأتي ليكرس نهاية إحتكار إنتاج الطاقة الكهربائية. ويفتح الباب واسعاً، أمام تطوير تنوع مصادر الطاقة وتعزيزها بمصادر نظيفة ومتجددة. فسرعة الرياح في لبنان، تكون كافية لإنتاج مقبول للطاقة الكهربائية في بعض المناطق، التي حددها أطلس الرياح في لبنان، الذي وضعه مشروع CEDRO في 25 كانون الثاني (يناير) من العام 2011. وهي محصورة في بعض المناطق مثل عكار، حيث سرعة الرياح تقارب 9-10 م/ثانية، أي إنتاج ما بين 850 – 1100 KW من الطاقة الكهربائية. وهذا ما يسمح بوضع حقول تولد قوة مقبولة من الطاقة، تصل إلى 100 ميغاوات من الطاقة الكهربائية في كل منها.
إن قرار الحكومة بالترخيص للشركات الثلاث، لتوليد ما يقارب مجموعه 200 ميغاوات، ستضاف إلى قوة الكهرباء التي تغذي الشبكة الوطنية، سيؤدي إلى زيادة أكيدة في التغذية. إن أهميته الإستراتيجية، تكمن في أنه سيعطي الدليل العملي على أن هناك إمكانية واقعية لتنويع مصادر الطاقة في لبنان. وزيادة مضطردة، في نسبة الطاقة النظيفة والمتجددة منها.
نقول مصادر نظيفة ومتجددة (طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، الطاقة الحرارية الجيولوجية، الطاقة المائية وطاقة حركة أمواج البحر)، لكي ننفي صفة الطاقة النظيفة، عن محاولات زج توليد الطاقة من النفايات، في هذا العنوان، زجاً لا يرتكز إلى أي مسوغ علمي وبيئي دقيق. إن البعض يعتبر أن النفايات مصدر متجدّد؛ وهو في الحقيقة، ليس كذلك. إذ أن الاستراتيجيات الحديثة، التي ترتكز على الإقتصاد الدائري والأخضر، تعمل على تخفيض تدريجي لكميات النفايات عموماً. وهي في ظل هذه الاستراتيجيات، في تناقص مستمر. وهذا ما يشكل عاملاً إضافياً، لعدم اعتبارها مصدراً متجدداً للطاقة. بالإضافة إلى النفي القاطع، لإعتبارها مصدراً نظيفاً للطاقة.
نحن نعتقد أن هذا القرار، الذي يتيح إنتاجاً إستراتيجياً للطاقة من الرياح، في بعض المناطق، حيث سرعة الرياح كبيرة نسبياً، سيتيح أيضاً، فرص إنتاج الطاقة الكهربائية بقدرات أقل إستراتيجية. لكنها تلبي حاجات محلية وموضعية للكهرباء، خصوصاً في بعض المناطق، حيث سرعة الرياح تتراوح بين 5 – 9 م/ثانية.
إن إطلاق العمل في إنتاج طاقة كهربائية من الرياح، سيساعد على تشجيع العمل في تطوير إنتاج الطاقة، من مصادر نظيفة ومتجددة أخرى؛ وفي تفعيل محاولات الطاقة الشمسية، التي لا تزال محدودة، مقارنة مع الإمكانات الكامنة لتطوير هذا القطاع. وربما لتشجيع محاولات من مصادر أخرى، مثل الحرارة الجيولوجية وأمواج البحر.
نحن نأمل أن يكون هذا القرار حافزاً لكل السلطات والمؤسسات المعنية بإنتاج الطاقة الكهربائية (وزارة الطاقة والمياه وكهرباء لبنان)، للعمل الجاد على تجاوز كل المعوقات، التي تحول اليوم دون إنتاج الطاقة القصوى، التي تتيحها المعامل الكهرومائية في لبنان، حيث تنتج حالياً قدرات دون قدراتها الفعلية بكثير.