تتوالى المشاكل البيئيّة، يوماً بعد يوم وتتنوّع مع إختلاف البلدان والفصول، إلا أن المتّهم الأول والأخير في إرتفاع نسبتها، هو التغيّر المناخي، الذي بدوره، يلقي أصابع الإتهام على البشر في إختلاف “أطباعه” وبالتالي، تداعياته.
ندرة المتساقطات، من جهة، أو كثرتها، من جهة أخرى، إرتفاع درجات الحرارة أعلى من مستوياتها الطبيعية، في منطقة، أوإنخفاضها بشكل سيبيري، في أخرى، من الأمور غير الطبيعيّة المصاحبة لمناخ غير مستقرّ، يحوّل مميزات الدول بطريقة دوريّة، خصوصاً، في ما يتعلّق بغناها البيئي والبيولوجي.
ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط، أكبر دليل على ذلك. فالجفاف الذي بدأت تعاني منه بعض الدول العربيّة، يُترجم حرفياً تداعيات التغيّر المناخي وتأثيره المباشر على واجهتها السياحية والبيئية.
لن تتوقّف التداعيات عند هذا الحد، بل توصّل علماء أميركيون، بعد دراستهم تاريخ مناخ المنطقة، على مدى 130 ألف عام، إلى أن الجفاف في العالم العربي سيستمر لعشرة آلاف عام.
معدّ الدراسة التي نشرت في Journal of Quaternary Science، الباحث في جامعة ميامي الأميركية، سيفاغ مهتريان، يقول: “حكومات الشرق الأوسط، تؤمن بأن المناخ الحالي هو طفرة مناخية مؤقتة. وأن المياه سوف تعود إلى المنطقة في المستقبل القريب. لكن أبحاثنا تشير إلى عكس ذلك وأنه في المستقبل، سوف ينخفض مستوى هطول الأمطار والعواصف الرعدية، التي تعدّ المصدر الرئيسي للمياه في المنطق”.
هذا التحذير، ليس الأول من نوعه، فقد سبق للبنك الدولي أن حذّرمن أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المنطقة العربية) ستشهد إرتفاعاً في معدل درجات الحرارة، يبلغ ست درجات مئوية، بحلول عام 2050، الأمر الذي سيعرَّضها لنقص في الأمطار ولانتشار كبير لظاهرة الجفاف والقحط.
ترجمة التحذيرين باتت واضحة، فالواقع أثبت صحة التوقعات، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة، إلى أن أغلب المناطق المعرضة للتصحر، تقع في العالم العربي. وتشير هذه التقارير، إلى أن حوالى 357.500 كلم مربّع من الأراضي الزراعية، أو الصالحة للزراعة، في عدد من الدول العربية، أصبحت واقعة تحت تأثير التصحر.
وشهدت دول مثل: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا، تحوًل 650.000 كلم مربّع من أراضيها، إلى أراض متصحرة خلال 50 سنة فقط، حسب الأمم المتحدة.
أما في دول الخليج والشرق الأوسط، فإن ظاهرة التصحر باتت تكتسح مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، ما يمثل تهديداً للأمن القومي الغذائي والمائي لهذه الدول.
تفاصيل الدراسة التي قادها مهتريان، تقوم على ملاحظة الجيولوجيين للتغيرات المناخية في العصور القديمة، بعد تحليل “الصواعد” في كهف “كاليه-كورد” شمال إيران.
والصواعد، عبارة عن زوائد من كربونات الكالسيوم، تتكوّن داخل الكهوف باستمرار، بفضل حركة قطرات الماء. وتدل تركيبتها على نوعية المناخ، الذي كان سائداً، حين تكوّنت مختلف طبقاتها.
تمكّن العلماء، عن طريق قياس نسبة الأوكسيجين، من تحديد متوسط مستوى الأمطار، في مختلف العصور ودرجة الحرارة، آنذاك. فضلاً عن مستوى إضاءة الشمس لسطح الأرض.
في المحصّلة، إتّضح أن تقلبات المناخ الدورية، التي تستغرق بضعة آلاف من الأعوام والتي اكتشفت عند تحليل طبقات الجليد في غرينلاند، إنعكست أيضاً، في صواعد الكهوف الإيرانية. الأمر الذي يعني أن الطقس شمال الأطلسي، مرتبط بما هو عليه في الشرق الأوسط؛ ويتم التحكم فيهما بآلية واحدة.
لذلك، إفترض العلماء أن هذه التقلبات المناخية، مرتبطة بتغيرات حركة الأرض، مدارها المناخي وهجرة تيارات المحيط. فكان الإستنتاج، بأن مناخ الشرق الأوسط يتغير كل بضعة آلاف من الأعوام، من المناخ الرطب والبارد نسبياً، إلى المناخ الحار والجاف وبالعكس. ودلت أرصاد العلماء، على أن المنطقة دخلت مرحلتها الحارة، التي ستستغرق نحو 10 آلاف عام.