يثير ظهور “القرش الأبيض الكبير” Great White Sharks من وقت لآخر اهتمام الباحثين والعلماء في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في البحر الأبيض المتوسط، ذلك أن هذا الكائن البحري الرائع بلغ مرحلة الخطر مع تراجع أعداده، ولا نستغرب أن يبذل الخبراء جهودا مضاعفة للحفاظ عليه كأولوية، خصوصا وأنه مدرج على قائمة الأنواع المهددة جدا بالانقراض، لكن معظم الصيادين لم يتوانوا عن قتله واصطياده محكومين بما تروجه وسائل الإعلام من معلومات لا ترقى إلى الحقيقة، وبعيدة كل البعض عن أساطير وخرافات أثبت العلم أنها مجرد أقاويل وترهات، إذ لا يزال بعضها يروج أن القرش الأبيض الكبير “وحش” يتقصد الإنسان وينقض عليه ويهاجمه، ويستهدفه لغاية الافتراس ولا يتوانى عن قتله والحاق الاذى بمراكبه، بالرغم من أن الحقيقة مناقضة تماما للحقيقة ومجافية للعلم.
القرش وتوازن البحار والمحيطات
كما أن كل هذه الافكار الخاطئة والصورة النمطية الراسخة عن هذا الكائن، وما روجته “الميديا”، وبشكل خاص في السينما التي استحضرت صورة رسخت في أذهان الناس مفاهيم خاطئة عن هذا الحيوان البحري، وما لا يعلمه الكثيرين ايضا أن هذا الكائن ذو أهمية كبرى في النظم الإيكولوجية البحرية لجهة دوره في توازن البحار والمحيطات، فهو يجوبها وينظفها من الحيوانات المريضة والضعيفة والنافقة، وما يجب معرفته بحسب الخبراء والمختصين في علوم البحار، أن القرش الأبيض الكبير لا يهاجم الإنسان، ويكفي فقط التعامل معه بحذر واحترام بيئته ومحيطه الحيوي والامتناع عن السباحة في المناطق التي يتواجد فيها.
طمأنة السياح
في عمق بحر مدينة الحسيمة في المملكة المغربية، اصطاد أمس أحد الصيادين قرشاً ابيضَ كبيرا، وقام بسحبه نحو الشاطئ، وقد وثق صيده بفيلم مصور ظهر فيه الصياد سعيدا، وكان واضحا أنه مقتنع بأن ما فعله يعد انجازا يستحق الاستعراض، والجدير بالذكر انه في آذار (مارس) الماضي 2017 كان قد عثر على قرش نافق في المنطقة عينها، وقد أثار مؤخرا ظهور الحيتان والقروش والقناديل البحرية وغيرها اهتمام البيئيين والمعنيين بقطاعي السياحة والتنمية في المغرب، فضلا عن مخاوف العاملين في قطاع السياحة.
وفي هذا السياق، تواصل greenarea.info مع ناشطين بيئيين في المغرب أكدوا أن “الفيديو سجله احد الصيادين عند سواحل الحسيمة في المملكة المغربية، وتم سحبه نحو الشاطئ من قبل الصياد نفسه”، وأضاف الناشطون بأنه “غالبا ما يتواجد القرش الابيض الكبير في هذه المنطقة (الحسيمة)”، مؤكدين “أن القروش تعبر مضيق جبل طارق الى المياه الاقليمية الاخرى”، وتوجه الناشطون عبر موقعنا لـ “طمأنة السياح وزوار هذه المناطق بأن القرش الابيض لا يتواجد على شواطئ شمال المملكة، انما يوجد نوع (النيكرو) أو القرش الازرق الصغيرBlue Shark ، وهذه الانواع تقصد أعالي البحار بهدف التهام صيد الصيادين”.
البروفسور ميشال باريش
وفي هذا السياق أيضا، كان خبير الأحياء البحرية في الجامعة الاميركية – بيروت البروفسور ميشال باريش رأي واضح في هذا المجال، مؤكدا لـ greenarea.info أن “من الأهمية بمكان أن نعلم بأن القرش الأبيض انه ليس وحشا رغم خطورته، لذلك على الانسان فقط التعامل معه بحذر والامتناع عن السباحة في المناطق التي يتواجد فيها”، لافتا إلى “سلسلة أفلام سينمائية روجت لقتله، ربما عن غير قصد، فتكونت لدى الناس صورة صورة نمطية كرستها رواية (الفك المفترس) Jaws التي نُشرت في السبعينيات من القرن الماضي، وصوِّرت فيلما سينمائيا سرعان ما حقق شهرة كبيرة ساهمت في الترويج لقتل القرش الابيض باعتباره مجسدا للشر”.
وأشار باريش إلى أن “هذا القرش يندرج تحت الاسم العلمي Carcharodon carcharias، وهو من فصيلة اللخميات Lamnidae، ويعرف باسم القرش الابيض الكبير Great White Sharks”، لافتا إلى أن “طوله الكلي يتراوح بين 250 و 800 سنتيمترا”، وقال باريش: “بالرغم من انه يدعى القرش الابيض الا ان الجزء الابيض منه يظهر فقط في جانبه السفلي، أما ظهره فهو فرمادي داكن، يعيش في اعماق تتفاوت بين السطح و1300 متر، وهو وَلود، تحمل الأنثى تسعة أو عشرة أجنة، ويعتبر الاعظم والاقوى بين اسماك القرش، وهو موضوع على رأس السلسلة الغذائية البحرية، فهو يتغذى على طيف واسع من الكائنات الحية والدلافين والفقمات والاسماك والقواقع والشفنيات ورأسيات الأرجل والجيف والحيتان”.
وبحسب باريش “تستخدم معظم أسماك القرش كل حواسها، بما فيها حاسة البصر، حاسة الشم، وحاسة السمع الخارقة جدا لديها، فهي تلتقط من خلال جهازها السمعي ذبذبات اي حركة تدل على صراع ومقاومة تحت الماء، لذلك على الصيادين الذين يستعملون حربة الصيد (البارودة) إخراج فريستهم النازفة من الماء بأسرع وقت ممكن”، ولفت إلى أن “القرش الابيض يتميز بحاسته السادسة فهو يستشعر الحقول الكهربائية التي تصدر عن قلب او حركة عضلات وخياشيم فرائسها، وهذه الحاسة تمكنها من تحسس حقل الارض المغناطيسي مع المحيط”.
توازن المحيطات
إن هذا النوع من القروش يقع فريسة شباك الصيد التجارية، ولفت باريش إلى أن “يُصطاد بالقصبة للتفاخر، ما أدى الى اصطياده على نحو واسع، فانخفضت أعداده حتى بات وجوده مهددا، ولذلك تم وضعه على قائمة الحيوانات المهددة جدا بالانقراض”، وقال: “استهدفه الانسان لاعتقاده بأنه قرش مهاجم، ولكن ما لا يعلمه كثيرون عنه انه يضمن نظافة وتوازن المحيطات، فهو يجوب البحار وينظفها من الحيوانات المريضة والضعيفة والنافقة”.
يهاجم القرش الابيض أحيانا البشر عندما يختلط عليه الأمر فيظنه كلب بحر أو فقمة عندما يمارس رياضة التزحلق على اللوح. يعض ويهرب، ولذلك ينجو الانسان من الموت، فضلا عن أن لحم الانسان لا يحتوي على الدهون التي يحتاجها هذا القرش، فلا يستسيغ طعم اللحم البشري كما لا يستطيع هضمه، بحسب باريش.
ينتشر هذا النوع من اسماك القرش في المحيطات المعتدلة في البحر الابيض المتوسط، وهذا يعني وجوده في مناطقنا في الاعماق، ويعتبر نادرا في المياه المدارية، وقد أصبح مهددا بشكل عام في كافة البحار وبشكل حاد في البحر الابيض المتوسط.