عملية الإحترار المناخي، قضية العصر بامتياز. ورغم المؤتمرات المتعددة في هذا المجال، فضلاً عن رسم الخطط البيئية الملزمة للدول الكبرى، للتخفيف من حدة الإنبعاثات المؤثّرة سلباً على التغيّر المناخي، تبقى قضية ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند، في طليعة التهديدات المؤثرة على حياة البشر.
لا يعترض إثنان على أن ما يحصل في مختلف دول العالم، من تغيّرات في الفصول وتداخلها ببعضها البعض، حيناً، أو تسجيل أقسى فصل، صيفي كان أم شتوياً أحياناً، يقع في خانة تداعيات التغيّر المناخي. إلا أن التخوّف الأكبر يكمن في ذوبان الجليد في القطبين الجنوبي والشمالي، خصوصاً في غرينلاند.
فقد أظهرت أحدث التقديرات الصادرة عن مركبة “كريو سات” الفضائية الأوروبية، أن جزيرة غرينلاند تفقد نحو 375 كيلومتراً مكعبّا من الجليد كل عام. وتتركّز معظم الخسائر، في الغرب والساحل الجنوبي الشرقي من الجزيرة. وهناك إنخفاض كبير أيضاً، في المجرى الجليدي شمال شرق غرينلاند، في حين يفقد القطب الجنوبي نحو 128 كيلومتراً مكعبا سنوياً.
وأشار فريق تابع لمعهد ألفريد فيجنرالألماني، الذي يعدّ نماذج عن إرتفاع الصفائح الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي، أنه إضافة إلى خسارة الجزيرة لأمتار مكعّبة من الجليد، فإن ذوبان الجليد في القطب الجنوبي، يعني أن طبقتين كبيرتين من الصفائح الجليدية على سطح الأرض، تفقدان حوالى 500 كيلومتر مكعب من الجليد، في المحيطات سنوياً.
وبينما يشعر العلماء بالقلق الشديد إزاء تأثير الذوبان السريع للصفيحة الجليدية في غرينلاند، الذي يرفع مستوى البحر أكثر من المتوقع، ما يهدد الملايين في المدن الساحلية في العالم، يكمن السبب الرئيسي في إرتفاع أعداد الطحالب المتواجدة في المكان. لذا، يقول العلماء أنهم قلقون جداً، لأن الظروف الأكثر دفئاً في المنطقة، تمكّن الطحالب من النمو على الجليد. هذا الأمر، يزيد من رهبة التخوّف، لأن الطحالب تحوّل الجليد إلى اللون الأخضر والبني وحتى الأسود، مما يجعله يمتصّ المزيد من أشعة الشمس ويسرع من عملية الذوبان. وبالتالي، فإن هذه البقع الداكنة من الطحالب، تعكس فقط ما بين 1 إلى 35 في المائة من الإشعاع الشمسي، بينما يعكس الثلج الأبيض ما يصل إلى 90 في المائة من الإشعاع. وهذا يعني أن البقع الداكنة تذوب أسرع بكثير من الجليد الأبيض.
تجدر الإشارة، إلى أن الطحالب تلعب الطحالب دوراً مهماً فى الحفاظ على إتزان كل النظم البيئية، بحرية كانت أو على اليابسة، فهي تعد مصدراً من مصادر الأوكسجين على سطح الأرض، لأنها تقوم بـ50 الى 70 في المائة من عمليات البناء الضوئي، على سطح الأرض. فضلاً عن أنها مصدر أساسي لغذاء بقية الأحياء ، مباشرة أو بطريق غير مباشر. وضمان رئيسي لتنقية النظام من غاز ثاني أكسيد الكربون؛ واستبداله بالغاز الحيوي والأكسيجين اللازم لتنفس جميع الأحياء.
طبقة الجليد في غرينلاند، التي تعد ثاني أكبر صفائح الجليد في العالم والأكبر في نصف الكرة الشمالي، تضيف ما يصل إلى 1 ملم سنوياً إلى الإرتفاع العالمي للمحيطات. لكن وفقاً للعلماء الذين يشرفون على مشروع “Black and Bloom” ويدرسون تأثير الطحالب على ذوبان الجليد، في صفيحة غرينلاند الجليدية، فإذا كانت الصفيحة بأكملها سوف تذوب بسبب تأثير الطحالب، فإنها قد تضيف أكثر من سبعة أمتار إلى متوسط مستوى سطح البحر في العالم.
البروفيسور مارتن ترانتر، الذي يقود الدراسة، يعبّر عن قلق العالم أجمع من التغيرات الملحوظة ويقول: نعتقد أنه مع إرتفاع درجة حرارة المناخ، سيزداد نموّ هذه الطحالب المظلمة، على مساحات واسعة من صفيحة غرينلاند الجليدية. وربما قد تسبّب في نهاية المطاف، ذوباناً أكبر للجليد وتسارعاً في ارتفاع منسوب البحر.
ورغم أن هذا التحذير مرسوم للمدى البعيد جداً (بعد آلاف السنين)، إلا أن الدكتور جو كوك، يشدّد على ضرورة التحذير والقيام بخطوات تصحيحية، خصوصاً، أن الخطورة لا تكمن في ذوبان الصفائح الجليدية كاملة، بل إن ذوبان كمية صغيرة فقط، تكفي لتهدد الملايين في المجتمعات الساحلية حول العالم.
ومن المنتظر أن ينشر مشروع “Black and Bloom” توقعاته الجديدة لإرتفاع مستوى سطح البحر، في غضون عامين.