نحو عالمها الرحب انطلقت، إلى الأزرق اللامتناهي، إلى ميدانها الرحب منذ ملايين السنين، سلاحف فقست من بيوض في أعشاش رعتها أيادي الخير والحب، في “حمى” بلدة المنصوري (قضاء صور)، وسارت عبر رمل الشاطىء إلى أن غمرتها المياه وتوارت بعيدا، فيما لوّح لها الأطفال بأياديهم بلهفة وشغف، وباركوا رحلتها الأولى لتعود سالمة مطمئنة بعد ربع قرن إلى حضن الشاطىء الذي منه انطلقت، أي ملاذها المهدد باجتياح الاسمنت وفوضى البناء والمخالفات المحمية من ذوي السلطة والنفوذ.
البيت البرتقالي
هذا المشهد أرادته صديقة السلاحف البحرية السيدة منى خليل (77 عاما) احتفالية للأطفال، وهي التي أنشأت مشروع “البيت البرتقالي” Orange House عام 2000 بهدف تـأمين الرعاية والحماية لهذه المخلوقات، وحصلت على اعتراف رسمي بإعلانها حمى سنة 2008، وقد ودَّعت صغار السلاحف، وكتبت على صفحتها في فيسبوك “وداعا ايها الصغار، لن أكون هنا بعد 25-30 سنة، ولكن البيت البرتقالي سيكون بانتظاركم”.
وأملت خليل أن يتابع مسيرتها وعملها الجيل الجديد، وشددت على ضرورة ترسيخ المفاهيم البيئية السليمة لدى الاطفال وتوعيتهم، ومنذ بدء تفقيس البيض حرصت على دعوة الاطفال ومشاركتهم في عملية اطلاقها نحو البحر، ما يبرر قلق السيدة خليل، وما يجدر التذكير به ان ثمة من حاول ويحاول الانقضاض على ما تبقى من الشاطئ في المنطقة بالتزامن مع ما تتعرض له المساحات الشاطئية في لبنان من قضم وتلويث وتدمير، وهذا ما ينعكس سلبا على سلاحف البحر وموائلها، فهذه الكائنات انطلقت من هذا الشاطئ إلى البحر في رحلتها الأولى، ولن تعود إليه إلا بعد بلوغها لتضع بيوضها في نفس المكان الذي انطلقت منه بعد نحو 25 عاما.
إرساء ثقافة بيئية
“جمعية Green Area الدولية”، ومن خلال نشاطاتها البيئية، وحرصا منها على ضرورة إرساء ثقافة بيئية لدى المواطنين عموما والأطفال بشكل خاص، آثرت متابعة الحدث ومواكبته يوما بيوم، ولبت طلب السيدة خليل بدعوة أطفال من المنطقة، وبالفعل حضرت مجموعة من اطفال “مركز عباس هاشم الثقافي” في مدينة صور، فضلا عن أطفال من قرى القضاء والاهالي والناشطين والمهتمين والصحفيين.
وتولت Green Area نقلهم إلى حمى المنصوري، وأجابت عن تساؤلاتهم حول دورة حياة السلاحف البحرية وأهميتها، أنواعها، التهديدات والتحديات التي تواجهها، كما وأطلعتهم عن العمل الذي تقوم به السيدة خليل وأهميته، وقد ابدى الاطفال تجاوبا وتفاعلوا مع الحدث، وكانوا متحمسين لمشاهدة هذه الكائنات الصغيرة، وبعضهم كان يجهل وجودها في بحرنا، ولهذا السبب وبهدف حمايتها حرصت السيدة خليل على مشاركتهم لأنهم يمثلون المستقبل ودورهم حماية هذا الإنجاز الذي تحقق بالسهر والتعب.
مع الأطفال
وخلال أسبوع تم إطلاق السلاحف التي تفقس يوما بيوم، ورصدgreenarea.info هذه المرة انطباعات الاطفال المشاركين وآراءهم، مع التأكيد بأن كل طفل حضر وشاهد صغار السلاحف سيقوم لاحقا بحمايتها بشكل أو بآخر.
ليا الدايخ (8 سنوات)، قالت: “شعرت بكثير من الفرح حين تعرفت لاول مرة على السلاحف الصغيرة، في الحقيقة انا شاهدتها وهي كبيرة الحجم، وعلمت أنه بعد 25 عاما ستعود الى الشاطئ ذاته، وما يثير تساؤلاتي الى اين ستذهب طوال هذه الفترة؟ وكيف ستهتدي الى الطريق وتعود الى نفس المكان؟ وكم سيبلغ عمري حينها؟ وهل من الممكن ان التقي بإحداها يوما ما؟ كما أنني علمت بأن السلحفاة تضع العشرات من البيوض وان السلاحف تحارب للبقاء على قيد ىالحياة وفرصتها بالنجاة قليلة، لذلك يجب ان نحافظ عليها ونهتم بها”.
جاد هاشم (13 سنة) قال: “أحببت مشاهدة هذه الصغار وهي تعبر نحو البحر، وكانت التجربة بالنسبة لي جد رائعة، ولم أكن أعلم أن أمهات السلاحف تضع بيوضها في لبنان، وقد تفاجأت، وكنت محظوظا بمشاهدتها خصوصا وأن هذه الصغار لن تعود الا بعد 25 عاما”.
محمود بزي (6 سنوات) قال: “أحب السلاحف البحرية ورأيتها وهي كبيرة، ولكن لم أرَ سلاحف صغيرة من قبل، لقد حملتها بيدي وشعرت بالفرح لانها جميلة وصغيرة، وتمنيت لو أني استطيع ان آخذها الى بيتنا ورعايتها، لكن امي اخبرتني بأن البحر هو بيتها وعلينا ان نتركها لتعيش فيه وتكبر”.
دان قصير (10 سنوات) قال: “كان شعورا جميلا أن أرى هذه السلاحف تنطلق بحرية نحو البحر لتعيش وتكبر في بيئتها الطبيعية”، واضاف بأن “المشهد ككل كان من أروع ما شاهدت حتى الآن”.
أما ربيع هاشم (6 سنوات)، فقال: “أحب كثيرا السلاحف البحرية وانا محظوظ برؤيتها، خصوصا وانها لن تعود قبل 25 عاما”.
وقالت لاميتا ابراهيم (9 سنوات): “أشعر بالسعادة لزيارتي حمى المنصوري ومشاهدة بيض السلاحف التي خرج منها الصغار ومتابعتها نحو البحر، واتمنى من الجميع المحافظة على البيئة لانني احب ان أرى بلدي نظيفا وجميلا، كما انني أشكر كل من يقوم بحماية البيئة والسلاحف”.
سارة الشاب (7 سنوات)، قالت: “لقد غمرني الفرح خلال هذه الرحلة، كنت اسمع عن السلاحف البحرية ولم أرها من قبل بل كنت اسأل عنها، وبالامس علمت ان أحجامها تكون صغيرة جدا لحظة خروجها من البيض”، وعلقت “كتير زغار وطيوبين”، وتابعت: “أكثر ما لفت انتبهائي انه كلما بدلنا اتجاه السلاحف كانت تدير وجهها نحو البحر وتنطلق باتجاهه، شعرت بالخوف عليها خصوصا عند اقترابها من الماء ومواجهتها للموج، لكن امي طمأنتني أن باستطاعتها السباحة ولا داعي للقلق عليها”.
نانسي الدايخ (6 سنوات)، قالت: “أحب السلاحف، وانا سعيدة لمشاهدتها اليوم تذهب نحو البحر، ولكني قلقة عليها كيف ستسبح وحدها؟ ومن سيقوم باطعامها؟ وهل ستكون أمها بانتظارهم؟ ولذلك، أتمنى ان تكبر هذه السلاحف وتعود بسلام”.
محمد سعيد بزي (12 عاما)، قال: “لقد كنت من المحظوظين بمواكبة هذا الحدث للمرة الثالثة، راقبت جيدا صغار السلاحف وهي تنطلق نحو البحر، وقد علمت بأن السيدة منى خليل هي من تهتم بها، وتتعب لحمايتها وتبذل وقتها ومجهودها لتأمين سلامة انطلاقها نحو البحر، وقد رأيت حالات كثيرة لنفوق السلاحف، ولذلك من الضروري المحافظة على هذه الكائنات وحمايتها”.
لانا قطيش (6 سنوات)، قالت: “أحب السلاحف كثيرا، انها المرة الاولى التي اشاهد فيها السلاحف البحرية، لقد تفاجأت بأحجامها الصغيرة وعلمت بأنها تعيش في بحرنا، اختي الصغيرة ريم وعمرها سنتين هي ايضا راقبتها باهتمام ولم تتحرك، بل كانت مذهولة مع انها تحب السلاحف ايضا وتعودت ان تقترب منها، وهي تطعم يوميا سلحفاة برية مع جدتي ولكن لون هذه السلاحف وحجمها مختلف”.
أحاديث الصغار حملت بين طياتها الكثير من العبر للكبار، ففي مختلف بلدان العالم تحظى هذه المخلوقات بعناية ورعاية وحماية، بالاضافة الى حماية موائلها، وفي لبنان تجاهد السيدة خليل وقلة قليلة من امثالها لحماية الكائنات والعناية بها، فهل ثمة من يعتبر ويتحرك لوقف تدمير بيئتنا البحرية؟!