تصدمنا من آنٍ لآخر ممارسات صادمة من قبل بعض المواطنين بحق الحيوانات البرية والأليفة، أسرا، وقتلا وتعذيبا، وآخر بدعة في هذا المجال حرقها وهي على قيد الحياة، بلا رأفة ودون وازعٍ من ضمير، ما يطرح إشكالية قانونية وأخلاقية وإنسانية، كون هذه الممارسات تبعدنا عن إنسانيتنا وتقتل فينا مشاعر الحب والرحمة حيال كائنات نرفض وجودها بيننا، فهذا النزوع إلى القتل فيه تحدٍّ لقوانين الطبيعة، وللبيئة بكافة عناصرها، وللحياة البرية بتكاملها وتوازنها.
لم نتخطّ إلى الآن وقع صدمة جديدة، إذ لم يتوانَ مواطن من بلدة يارون الجنوبية من حرق حيوان موضوع في قفص، ولا يمكن تصور فظاعة المشهد عبر فيديو وصل موقعنا greenarea.info، إذ بدا الحيوان يتلوى من لسع النار وهو غير قادر على الفرار، فراح يتخبط بالقفص من جهة لأخرى.
لم نتمكن من تحديد نوع الحيوان، حتى الذين زودناهم بالفيديو من خبراء ومواطنين لم يتمكنوا من الجزم حيال نوعه، فالبعض أشار إلى أنه قط بري، والبعض الآخر رأى أنه ينتمي لنوع من حيوان النمس أكبر قليلا من النمس البلدي، أما المواطنون فعادوا إلى خرافات حيال كائن هجين هو “الشيبة”، وهذا غير مثبت علميا، وإن كانت “الشيبة” حاضرة في موروثنا الشعبي، إلا أنها غير موثقة بالعلم والدراسة.
حماية التوازن الطبيعي
لا تحتاج الكائنات التي تعيش بيننا إلا للعيش بسلام، وألا تقتل وتدمَّر بيئتها الطبيعية، لكن بعض الموروثات الشعبية ساهم كثيرا في قتل أعداد كبيرة من الحيوانات البرية التي نُسجت حولها أخبار ومرويات شعبية، ما برر ملاحقتها وقتلها، بالاضافة الى عامل آخر، وهو الجهل، وعدم معرفة أن ثمة أنواعا من الحيوانات تمثل جزءا من محيطنا الحيوي، وبالتالي عدم معرفة التعامل معها والاحتماء منها أحيانا، ما جعلها عرضة للتهديد، وبعضها بات على قائمة الحيوانات المعرضة للانقراض، فالثدييات في البرية مثلا تنشط بعض أنواعها ليلا كالغرير والنمس ولا يتمكن الناس من رؤيتها، فيعمد مواطنون إلى نصب أفخاخ لأسرها وقتلها، ولا سيما تلك التي تهدد الحيوانات الداجنة التي يعتاشون منها أو تشكل لهم مردودا إضافيا.
في العديد من الدول لم يعد مسموحا تصوير رجل ما قتل ضبعاً على سبيل المثال، وتصويره على أنه “بطل”، ومن هنا ثمة دور مهم جداً للإعلام، لجهة التوعية عبر برامج خاصة.
كما أن تطبيق قانون الصيد بشكل جدي وفعال، هو الحل لمواجهة ما تتعرض له هذه الكائنات، ووقف التعديات التي تطاولها، وبذلك نضمن حماية التوازن الطبيعي.
احتمالات عدة
في هذا السياق، وكما أسلفنا، وصلنا شريط مصور لرجل قام باحتجاز حيوان داخل قفص، وعمد الى إضرام النار به وحرقه، وقد تبين ان الرجل في الفيديو يدعي (ح.ص) من بلدة يارون في قضاء بنت جبيل.
واللافت للانتباه ان الشريط المصور وثق قسوة هذه الممارسة المرفوضة أخلاقيا وإنسانيا، بالاضافة الى صوت سيدة تقول (عمي ابو علي عم يحرق الشيبة)، ولم يتضح لنا نوع الحيوان، وكانت ثمة احتمالات عدة، بعضهم رجح أن يكون “نمس مصري” أو “الدلق” أو القط البري.
ولكن ما يهمنا في هذا السياق، بغض النظر على ان هذه الانواع تعتبر قليلة وتندر مشاهدتها، هو ان قتل هذا الحيوان وبهذا الاسلوب هو أمر شديد الخطورة، ولا يجب ان يمر مرور الكرام فمهما كانت الأسباب، كان يجدر بالرجل تسليمه لجهات معنية بالحياة البرية، أو لوزارة الزراعة، لا قتله بهذه الطريقة.
النيابة العامة البيئية
وما يهمنا في هذا المجال، كموقع greenarea.info و”جمعية Green Area الدولية”، أن نساهم في مراكمة رأي عام من أجل التصدي لمثل هذه الممارسات، وثمة أمران لا بد من أخذهما في الاعتبار، أولهما التوعية، وهذه مسؤولية الجهات الرسمية المولجة حماية البيئة، فضلا عن دور جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، ولا سيما تلك التي تعنى بالحفاظ على البرية، وضرورة أن يكون هناك بينهما، وتنظيم حملات ونشاطات تؤسس لثقافة تحترم هذه الكائنات، وتسلط الضوء على دورها في التوازن على مستوى النظم الإيكولوجية.
والأمر الثاني، تفعيل دور القضاء والأجهزة الأمنية والشرطة البلدية في نطاق كل منطقة، والتشدد في فرض عقوبات وفقا لما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء. ولذلك، نضع هذه الجريمة الموصوفة برسم النيابة العامة البيئية، وسائر الجهات المفترض أنها معنية بتطبيق القوانين.