منذ بداية أزمة النفايات في تموز 2015، والفضيحة مستمرة مع انتشار المكبات العشوائية في كل المناطق دون اعتبار لحرمة شاطئ، أو لبحر أو غابة، لواد أو هضبة، طريق دولية أو غيرها، وسط ما نشهد من صفقات في هذا الملف تمثل مظهرا من مظاهر الفساد المستشري في مختلف مواقع السلطة، حتى بلغت الجرأة حدا وجدنا معه أن ثمة من يجاهر بـ “إفلاس إداري” متبجحا بردم البحر بالنفايات كحل ابتكره عقل لا هم له إلا السرقة وتشريع الفساد، كما لم يسبق للبنان أن شهد مثيلا لهذه الممارسات الفاضحة من قبل، حتى في زمن الحرب والفوضى.
في المقابل، ثمة نماذج متمثلة بمبادرات أهلية يقف وراءها ناشطون ومواطنون، آثروا التواجد في قلب المعاناة، وقد شهدنا مؤخرا انطلاق مبادرة في مدينة طرابلس أطلق عليها “مسعفون بيئيون”، فضلا عن مبادرات لجمعيات الأهلية ومنظمات دولية، كانت المثال والنموذج في سبيل رفع مستوى الوعي لدى المواطنين، ودأبت وما تزال من أجل إيجاد مقترحات وحلول أعلنت عنها في سياق حملات النظافة التي أطلقتها وتطلقها تباعا، معوضة في حدود كبيرة غياب الدولة، علما أن مثل هذه الحملات كان من المفترض أن تكون منوطة بمؤسسات الدولة، إن لجهة رفع النفايات، وإن لجهة مراقبة المكبات العشوائية وتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين، فضلا عن أن ثمة دورا للبلديات في هذا المجال، من خلال تفعيل دور عناصر الشرطة البلدية والتكامل مع الأجهزة الأمنية، كي لا تبقى معالمنا الطبيعية مستباحة شاطئا وجبلا.
جريصاتي: تغيير عاداتنا اليومية
وكان لافتا للانتباه أمس الحملة التي دعت اليها “غرينبيس المتوسط” و”ريسايكل ليبانون” في “دالية الروشة”، حيث تجمع حوالي 250 شخصا ليكونوا جزءا من حل أزمة ساهم في تراكمها من لم يكترثوا لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا في حماية الطبيعة مع الاستمرار في الممارسات اليومية الملوثة، فبحسب المتطوعين “نشاطنا توعوي أكثر مما هو حملة تنظيف الشاطئ من البلاستيك، والهدف من ذلك الحد من استعمال البلاستيك ليندرج كجزء من حل لأزمة النفايات في لبنان”.
مسؤول حملات “غرينبيس” في العالم العربي جوليان جريصاتي قال لـ greenarea.info: “نظمت (غرينبيس المتوسط) Greenpeace mediterraean الى جانب جمعية “ريسايكل ليبانون”Recycle Lebanon نشاطا أسميناه (بلا بلاستيك) قبل حوالي اسبوعين، وقد أ؟خذ المبادرة أكثر من 250 متطوعا ومتطوعة وتحركوا لتنظيف دالية الروشة في 5 آب 2017″.
وأشار جريصاتي الى أن الحدث اطلق عليه اسم Beach Clean-Up in Beirut أثمر يوماً كاملاً خال من البلاستيك في حملة ليست لتنظيف الشاطئ فحسب، إنما هي جزء من حركة #BalaPlastic بهدف رفع التوعية ضد البلاستيك الاحادي الاستعمال (العبوات البلاستيكية والقش والمعالق والشوك البلاستيكية والأكياس الخ …)”.
وأردف: “كان رائعا أن يتحركوا من أجل بلدنا وبيئتنا، لقد آن الأوان لأن ندرك أن بإمكاننا وينبغي علينا كمواطنين أن نكون جزءا من الحل في معالجة أزمة النفايات، ليس فقط عبر المشاركة في حملات تنظيف الشواطئ، ولكن الأهم من ذلك هو تغيير عاداتنا اليومية”.
وأضاف جريصاتي: “مئات الأطنان من البلاستيك ترمى يومياً في لبنان تشوه بيئتنا وطبيعة بلادنا بسبب الممارسات السيئة في إدارة النفايات، في حين أنه اذا أدرنا ظهرنا إلى البلاستيك الأحادي الاستعمال ولجأنا الى بدائل أكثر استدامة، فإننا بذلك سنكون على ثقة أن كميات أقل من النفايات ستنتهي في غاباتنا وأنهارنا وبحرنا، ونكون قد ساهمنا في تخفيف حدة الأزمة والتزمنا بموقف واضح ضد الواقع الذي تحاول الدولة اللبنانية فرضه علينا”.
عمل فني
يذكر أن مجموعات من النشطاء البيئيين والمتطوعين والفنانين بادروا إلى تنظيف موقع دالية الروشة، وهي واحدة من آخر المناطق النباتية الهامة والمتبقية وذات الأهمية الكبرى بالنسبة للنظام البيئي البحري اللبناني بأكمله.
تجدر الاشارة الى ان البلاستيك الذي تم جمعه سيساهم في تطوير عمل فني يعمل عليه مختبر التصاميم المؤثرة DI-LAB في الجامعة الأميركية في بيروت، ويرمز العمل إلى “غزو البلاستيك”، وسيتم عرضه على خشبة مسرح فرقة مشروع ليلىMashrou’ Leila في مهرجان “اهدنيات” Ehdeniyat International Festival السبت القادم في 12 آب المقبل.
كعدي: أجل لبنان أفضل
وقالت جوسلين كعدي مؤسسة جمعية “ريسايكل ليبانون” في بيان أصدرته “غرينبيس”: “شهد اليوم أول عمل تعاوني لمعالجة (إدماننا) على البلاستيك وإظهار الحلول التي تندرج ضمن مسؤوليتنا الجماعية، وتقديم ممارسات عملية للتخلص من الاستهلاك الفائض للبلاستيك من خلال أنشطة تعليمية ممتعة، خصوصا وأن البلاستيك بات جزءا أساسيا من أزمة النفايات لدينا، ويمكننا صنع التغيير من أجل لبنان أفضل، لنتمكن من العيش في بيئة نظيفة وصحية”.
