لا تكف القرارات الحكومية والخطط المقترحة بالتشديد على مبدأ لامركزية ادارة النفايات المنزلية الصلبة، وتدفع بالبلديات من أجل الاستقلال التام عن العقود المركزية التي يديرها مجلس الانماء والاعمار لصالح الدولة اللبنانية.
أبرز هذه القرارات صدر بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) 2015، وتضمن اعترافاً حكومياً غير مسبوق بحق البلديات أو اتحادات البلديات، بأن تدير معالجة نفاياتها على مسؤوليتها، شرط ان توافق لجنة فنية مركزية برئاسة وزير الداخلية والبلديات، وعضوية الوزارات المعنية وهيئات دولية ومنظمات المجتمع المدني، على اقتراح البلدية بمعالجة وإدارة النفايات ضمن نطاقها.
حين صدر القرار المتعلق بمناقصات المرحلة الانتقالية في جلسة مجلس الوزراء 12 آذار (مارس) 2016، استبعدت خدمات الكنس عن هذه المناقصات، وجرى التأكيد ان بلدية بيروت وقرابة 26 بلدية في اقضية المتن وبعبدا وعاليه، يجب ان تطلق مناقصات مستقلة لكنس نفاياتها، بعد انتهاء عقد كنس النفايات الموقع مع شركة سوكلين، والذي مدد له مراراً وتكراراً بذريعة فشل اطلاق المناقصات أو عدم جهوزية المتعهدين. ماذا حصل منذ ذلك الحين ؟ ومن يتولى أعمال الكنس في هذه المناطق؟
يبلغ قيمة عقد الكنس الساري المفعول منذ العام 1996 قرابة عشرين مليون دولار سنوياً، ويشتمل على القيام باعمال الكنس والتقاط النفايات على مساحة تشمل 2655679 متراً طولياً بينها 680 الف متر طولي داخل بيروت الادارية، ومن ضمنها ما يعرف بنطاق “سوليدير” والذي تقدم فيه ايضاً اعمال لغسل وشطف الارصفة الى جانب اعمال الكنس.
ومعلوم ان المنطقة الوحيدة التي لا تزال شركة سوكلين تقوم باعمال الكنس والجمع والنقل فيها، تشمل حصراً بيروت الادارية، بسبب قرار مجلس الوزراء عدم اطلاق مناقصة في بيروت، وترك الامر للمجلس البلدي الذي فشل حتى اللحظة في اتمام الاجراءات الادارية المتعلقة بهذه المناقصة، لاسباب عديدة كان آخرها ما اعلن عنه رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني والمتعلق بخطأ في معادلة الاسعار التي تضمنها دفتر الشروط. وفي حين يفترض ان يكون منتصف شهر ايلول (سبتمبر) المقبل الموعد الأخير لكي تسلم شركة سوكلين الخدمات التي تتولاها، يتوقع ان يتخذ قراراً بتمديد اضافي لهذه الاعمال الى حين ترسية مناقصة جديدة وبدء اعمال الشتغيل.
في المقابل، أُنفذت مناقصة الجمع والنقل ضمن المنطقة الخدماتية الأولى التي تضم قضاءي كسروان والمتن، والتي تم ترسيتها لصالح ائتلاف “شركة رامكو للتجارة والمقاولات” (المملوكة من وسيم عماش) مع “شركة Atlas Yapı San” التركية، (الاسم التجاري RAMCO) بسعر اجمالي بلغ 86.25 مليون دولارا أميركيا، ولقد بدأت الاعمال في 14 أيار (مايو) 2017. كما أُنفذت مناقصة المنطقة الخدماتية الثانية التي تضم الشوف وعاليه وبعبدا، لصالح ائتلاف “شركة معوض وإده” مع “شركة Soriko” البلغارية (الأسم التجاري CITYBLU)، بسعر اجمالي بلغ 128.76 مليون دولارا أميركيا، وبدأت اعمال الجمع والنقل في قضاء بعبدا وأربع بلديات في قضاء عاليه في 2 حزيران (يونيو) 2017. ولا تزال هذه الشركة غير قادرة على جمع النفايات في قضائي الشوف وعاليه، بسبب عدم اقرار مجلس الوزراء موقع لمطمر صحي للتخلص من نفايات هذين القضائين، باستثناء اعمال الجمع التي تنفذها الشركة لصالح بلدية الدامور، والتي ترمي نفاياتها بعد جمعها قرب مجرى ملتقى النهرين ، ما يشكل مخالفة بيئية وصحية خطيرة.
واللافت للانتباه ان اعمال الكنس الجمع والنقل في أقضية جبل لبنان، انطلقت دون تلزيم شركة استشارية للمراقبة والاشراف على الاعمال، إن لجهة الاوزان وإن لجهة حسن الادارة والتنفيذ، وذلك لكون مناقصة الاشراف على اعمال الجمع والنقل لم يتم اطلاقها بعد من قبل “مجلس الانماء والاعمار، ناهيك عن اعمال الكنس التي تجري دون حسيب او رقيب!!
ويتبين من المعطيات الميدانية ومن مصادر متابعة لهذا الملف، ان شركتي RAMCO و CITYBLU قد باشرتا بالفعل باعمال كنس النفايات في 26 بلدية ضمن اقضية المتن وبعبدا وعاليه، وذلك بعد الحاح هذه البلديات على ضرورة ان لا تتوقف اعمال الكنس، واعلان رؤساء الاتحادات ورؤساء البلديات المعنية عدم رغبتهم القيام مباشرة بهذه الخدمة، وتفضيلهم ان يتولاها مجلس الانماء والاعمار عن طريق اقتطاع اموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل، أي عملياً استنساخ تجربة سوكلين مع فارق في تسميات الشركات لا اكثر ولا اقل. وبناء عليه وافق مجلس الانماء والاعمار ان تتولى شركتي RAMCO و CITYBLU اعمال الكنس خارج اي عقد او مناقصة، واكتفى باستلام عرض اسعار من قبل هاتين الشركتين، على ان يتم درسها وضمها في حال الموافقة عليه الى عقد الجمع والنقل كملحق. وتفيد المعطيات ان الاستشاري DG Jones & Partners لا يزال يدرس عروض الاسعار التي قدمتها الشركتين، على ان يرفع تقريره الى مجلس الادارة في مجلس الانماء والاعمار لبت هذه العروض واتخاذ قرار بشأنها.
في المقابل بررت شركتي RAMCO و CITYBLU موافقتهما على بدء اعمال الكنس خارج اي عقود من باب “مبادرة حسن نية”. وتقول مصادر مطلعة ان الشركتين حذرتا من ان الاعمال لا يمكن ان تستمر خارج اي التزام قانوني، ولقد ارسلتا انذارات بهذا الشأن الى مجلس الانماء والاعمار وطلبتا بت الموضوع، لان استمرار اعمال الكنس خارج العقد رتب على الشركتين استثمارات ومخاطر لا يمكن تحملها لفترة طويلة.
وتشمل قائمة البلديات التي اعلنت صراحة، عدم رغبتها، وبالتالي فشلها في ادارة خدمة كنس النفايات كل من:
− قضاء بعبدا: بعبدا، برج البراجنة، الحدث حارة حريك، الحازمية، الشياح، الغبيري، فرن الشباك – عين الرمانة- تحويطة النهر، كفرشيما، المريجة- تحويطة الغدير- اليلكة، وادي شحرور السفلى، ووادي شحرور العليا.
− قضاء عاليه : دير قوبل، والشويفات.
− قضاء المتن: الجديدة – البوشرية- السد، انطلياس – النقاش، برج حمود – بياقوت- جل الديب – بقنايا، الدكوانة – مار روكز- ضهر الحصين، الرابية، الزلقا – عمارة شلهوب، سن الفيل، الضبية – ذوق الخراب- حارة البلانة- عوكر، الفنار، المنصورية- المكلس- البوشرية.
ويقتضي الانصاف الاشارة الى ان الحدث هي البلدية الوحيدة التي انجزت دفتر شروط مناقصة كنس النفايات في نطاقها العقاري، لكنها سارعت الى الغاء مفاعيلها بعد ان قررت البلديات المجاورة العودة الى كنف مجلس الانماء والاعمار، معلنين بشكل جماعي اطلاق رصاصة الرحمة على الحلول اللامركزية لادارة النفايات، حتى في أبسط الخدمات المتمثلة بالكنس، والتي لا تحتاج الى خبرات وتقنيات عاليه. وتقول البلديات انها لا تملك سيولة نقدية لانجاز هذه المناقصات، في حين لا تمانع دفع اكلاف اعلى طالما انها ستسجل ديون لصالح الصندوق البلدي المستقل !