يبقى ملف الدواء في لبنان كما الجرح الراعف، لا يلتئم وسط فضائح لا تنتهي، وكأننا محكومون بشبكة الموت، فيما الجرح إياه يلتهم مواطنين أبرياء، ولا يني يهدد اللبنانيين بصحتهم وحياتهم، أما السلطة، فإن لم تكن غائبة فمتواطئة، “ملائكتها” حاضرون في جنازات من قضوا في أسوأ فضيحة فساد يشهدها لبنان حتى الآن، مواطنون تم حقنهم بالمياه بدلا من دواء يشفي ويخفف أوجاعهم.

لا نستغرب أن يصل الأمر إلى حد “الموت الجماعي” فيما من هم في مواقع المسؤولية بعضهم حامٍ مافيات الموت، ولا نستغرب أن تكون صحتنا مصادرة لصالح فئة شوهت وتشوه مهنة الطب، ولا تقيم اعتبارا لقسم أبقراط، لكن هذه الكارثة ليست قدرا ولن تكون، خصوصا وأن ثمة مبادرة وتحضيرات لرفع دعوى قضائية جماعية من قبل أهالي الضحايا والمتضررين من قضايا فساد الدواء، ولا سيما منها قضية فساد أدوية السرطان التي تجاوزت قضية الدواء لتصبح جرائم مرتكبة مع سبق الإصرار والترصد.

وفي هذا السياق، واكب greenarea.info هذه القضية، وكانت ثمة لقاءات مع بعض المعنيين، بهذا الملف.

 

بدرالدين: غياب المساءلة والمراقبة

 

الناشطة في “حملة بدنا نحاسب” نعمت بدر الدين، قالت لـ greenarea.info: “جاءت المبادرة بعد ان انتظرنا لتتضح الأمور أكثر، لا سيما وأن القضية متشعبة بين مسؤولية المستشفى والطبيب المسؤول المباشر والصيدلانية منى البعلبكي”، واشارت إلى “اننا كنا قد تقدمنا كحملة بالعديد من الإخبارات في ما يخص موضوع المستشفيات الحكومية، وبمواضيع عدة، ومن بينها: مستشفى صيدا وشبعا وبيروت الحكومي”.

وأضافت بدرالدين: “نحن نعتبر المستشفيات الحكومية مقصد وملاذ المواطنين الذين لا يشملهم أي ضمان صحي وأحوالهم المادية معدومة بالإجمال، ومن الواضح أن هذه المستشفيات تتحكم فيها مافيات بسبب غياب المساءلة والمراقبة، فضلا عن أن الملفات الموجودة لدى القضاء لا تفضي إلى محاسبة المرتكبين، بحيث أصبح هناك استسهال لجهة التلاعب بكل شيء من الدواء الفاسد إلى الفضائح المالية وغيرها، وهذه الفضيحة ليست الأولى، لا بل هي جزء من مسلسل الفضائح، فبالأمس على سبيل المثال كانت ثمة فضيحة طاولت الاطفال الاربعة الذين أصيبوا بشلل تام نتيجة إعطائهم علاجا غير مناسب، إضافة إلى قضية حقن المياه والادوية الهندية التي أثارها الدكتور اسماعيل سكرية”.

 

جرائم قتل موصوفة

 

وأشارت بدرالدين إلى أنه “الآن بدأنا نتواصل مع أهالي الضحايا نتيجة تعمق الثقة بنا كحملة، ولا سيما في الجانب القانوني، مع وجود مجموعة من المحامين، فاللجنة القانونية بكافة القضايا التي تحركنا بها تبنتها قضايا كلفة مالية، كاستشارات وتقديم دعاوى”.

وأكدت أن “هذه القضية كما سائر القضايا سنتبناها كقضية رأي عام من خلال الأهالي الذين يطالبون بالعدالة، وهم على استعداد لتقديم دعاوى جماعية، والمضي بها حتى النهاية، إكراما لأرواح أبنائهم، وكي لا تتكرر مثل هذه الحالات”، وقالت: “بعد أن بدأت محاولات التضليل ورفع التهم ورميها على الآخرين، وتقاذفها بين الطبيب المباشر والصيدلانية والمستشفى والوزير السابق الدكتور محمد جواد خليفة، ونرى أن من الضروري التوجه بالملف إلى القضاء، خصوصا وأنه لم تكن هناك مساءلة في تلك الفترة، ولم تفتح تحقيقات، فالقضية لم تعد مجرد قضية فساد لا بل أصبجت جرائم قتل موصوفة وعمدا، وفيها تشويه لواقع الطبابة في لبنان، كما ان الفقير الذي يجد ملاذه في المستشفيات الحكومية إلى اين سيذهب؟”، ورأت أن “هذه الفضيحة أوجدت مخاوف لدى كل الناس من الدواء إلى الطبابة والإستشفاء، حتى أن الناس الذين هم ضد عقوبة الاعدام يطالبون بهذه العقوبة الآن وتعليق المشانق”، لافتة إلى أن “كل ما وصلنا اليه هو بسبب التدخلات في القضاء عدم استقلاليته، بحيث أن القضايا التي فتحت لم تصل إلى خواتيمها المرجوة بسبب التدخلات والمافيات المدعومة من نافذين بالسلطة”.

وطالبت بدرالدين “برفع الغطاء السياسي عن كل المتورطين بهذا الملف وتقديمهم للمحاكمة”، وختمت “بدأنا بالاجراءات الرسمية لجهة تأمين وكالات رسمية من الأهالي”.

 

سكرية: الفساد السياسي دمر البلد

 

وقال رئيس “الهيئة الوطنية الصحية” النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية لـ greenarea.info: “حركنا وأثرنا هذه القضايا منذ تسعيننات القرن الماضي، وما تزال أزمة الدواء مستمرة منذ ثلاثة عقود، أما عن تجربتي شخصيا، فمنذ 20 سنة وثلاثة أشهر والفضائح تتكرر بسبب أنه ممنوع الاصلاح في سوق الدواء في لبنان، هناك مافيا حقيقية وليس من قال ذلك، إذ قالها رئيس مجلس النواب في 30 تموز 2000 عندما وقف أمام الفضائيات خلال الجلسة النيابية، وقال لي (لقد استطاعت مافيا الدواء أن تعرقل أعمال مجلس النواب)، ما أريد قوله بعيدا عن كل الاعتبارات والمجاملات، وبعيدا عن النفاق السياسي والمسايرة المستشرية في بلدنا، هو أن الفساد السياسي دمر البلد، وإذا أردنا أن نغير نريد قرارا سياسيا وطنيا، لأن موضوع الدواء تتداخل فيه الطوائف والمذاهب والاحزاب والقيادات والادارة الفاسدة”.

وأشار إلى أن “هذا لا يمكن أن يتحقق طالما أن ليس هناك سياسة وطنية للدواء في لبنان، وطالما يتم التعاطي مع الدواء بخلفية تجارية، فالدواء عندنا ينظر إليه كسلعة تجارية لتحقيق الربح، وليس ثمة رقابة على النوعية والاسعار”، ورأى سكرية “اننا بحاجة لنبتعد عن الترهل السياسي، وألا نسكت عن تواطؤ السياسيين بفضائح الدواء”، وقال: “عندما نحقق ذلك يمكننا التوجه نحو الأمور التقنية المعروفة، لجهة تجهيز مختبر مع التشديد على المراقبة وكامل الامور اللوجستية والعملية”.

 

الأمن الدوائي مفقود

 

وقال سكرية: “أشجع على التحرك والمبادرة بالتوجه إلى القضاء، وأنا حاضر لأكون شاهدا، وسأكون مساندا لمن سيتحرك في هذه القضية، كما انني على استعداد لتبني الموضوع والسير فيه حتى النهاية، كما سرت منذ عشرين سنة إلى اليوم، كما أرى أن هذه هي الطريقة الديموقراطية الأمثل للتحرك والفرصة المناسبة للثورة على هذا الفساد “.

أما عن تطمين الناس في ظل هذه الازمة والفضائح المتتالية ، فقال: “صعب أن نطمئن الناس مع غياب مختبر للرقابة على الدواء في لبنان، فالأمن الدوائي مفقود، وإننا مكشوفون وأكبر برهان أن معظم اللبنانيين الذين لديهم أقارب في بلاد الاغتراب يؤمنون أدويتهم من الخارج، والدواء الذي يأتي من أوروبا افضل”.

وشدد سكرية على ان “ما حصل هو فرصة للتحرك الشعبي المدني الديموقراطي للضغط بشكل صحي والثورة على كل ما تراكم من فساد خلال السنوات الماضية”.

 

علي قعيق

 

علي عقيق والد أحد الضحايا توفي ابنه عن عمر يناهز 23 سنة، قال لـ greenarea.info أنه “انطلقت بالحملة القانونية بوجه مافيا الفساد”، وأناشد “المجتمع اللبناني التأييد والمشاركة على أوسع نطاق”.

وقال قعيق أنه “حتى الأسبوع الماضي لم أكن على علم بما فعله الطبيب المباشر رهيف جلول ومنى البعلبكي في مستشفى رفيق الحريري الحكومي بفلذة كبدي، وكنت أمدح وأشكر طاقمهم الطبي والتمريضي، والآن علمت ما حصل وصدمت من حجم الفساد، ولذلك سنرفع قضية جماعية لملاحقة من هم وراء هذه الجريمة بحق الانسانية فالقضية ليست شخصية هي قضية رأي عام والمتضررين كثر”.

وطالب قعيق “بإنزال أقصى عقوبة بحقهم، وبحق كل متورط “، وقال”هذا اقل ما اقدم عليه إكراما لروح ولدي الذي فقدته، ولن يعوضني عنه شيء، وإنصافا للناس المتضررين، ومن حقنا أن نطالب بالعدالة فما سببه هؤلاء لنا لا يوصف بأي كلام”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This