جاء “المنتدى الإقليمي الأول للتنوع الحيوي” حاملا تطلعات وهواجس ونحن نعيش وقع تطورات متسارعة مناخيا، ليس في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، وإنما في كافة أرجاء العالم، ما يعني أن حجم التحديات التي تواجه التنوع الحيوي أكبر مما كنا نتوقع سابقا، ومن هنا، تبدت أهمية المنتدى وتوقيته، ذلك أنه من الصعب على دولة أن تواجه تبعات هذه الكارثة الناشئة بعيدا من جهود دول مجاورة، وخارج رؤية كونية شاملة، طالما أن التحدي الأكبر يبقى متمثلا بتغير المناخ، وقد وجدنا أنفسنا في لجة ظاهرة الاحتباس الحراري، ومهددين بفقدان هذا التنوع وما سيترتب على ذلك من نتائج مدمرة.
وجاء المنتدى أيضا خطوة في مسار طويل، فمعركة المناخ لن تتوقف، لا بل ستظل مرتبطة بوجودنا على هذا الكوكب، طالما أننا نسنتزف ثرواته، وندمر كل مظاهر الحياة، ومن بينها التنوع الحيوي كعنصر أساس لاستمرار الحياة عينها.
افتتح المنتدى وزير البيئة طارق الخطيب، شاركت فيه ثلاث دول: مصر، الأردن ولبنان، ، ونظمه المكتب الاقليمي لغرب آسيا في “الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” و”اللجنة الوطنية اللبنانية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة” بالتعاون مع وزارة البيئة اللبنانية، في بنك عوده بلازا في بيروت، بحضور مؤسسة الحديقة النباتية الملكية – الاردن الأميرة بسمة بنت علي، ممثل وزارة البيئة المصرية الامين التنفيذي السابق لاتفاقية الامم المتحدة للتنوع الحيوي الدكتور حمدالله زيدان، المدير الاقليمي للمكتب فادي الشريدة، الممثل الإقليمي لمنطقة غرب آسيا للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة الدكتور سعيد دمهورية وممثلي الوزارات والمؤسسات الاكاديمية والمؤسسات غير الحكومية في الاردن ومصر والامارات وممثلي المنظمات الدولية ورئيس واعضاء اللجنة الوطنية اللبنانية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
الشريدة
بعد كلمة رئيس اللجنة الوطنية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة – لبنان زاهر رضوان كلمة، أكد فيها “التزام اللجنة العمل البيئي المسؤول للوصول إلى نتائج مرضية للجميع”، ألقى المدير الإقليمي للمكتب كلمة، قال فيها: “وفر التنوع البيولوجي الاساس للحياة على الارض، اذ تساهم الانواع البرية والجينات داخلها مساهمات كبيرة في تطور الزراعة والطب والصناعة. وتشكل أنواع كثيرة الاساس لرفاهية المجتمع خاصة في المناطق الريفية. في التاريخ الحديث اوضحت الدراسات ان التنوع البيولوجي يتناقص بمعدلات سريعة نتيجة للنشاطات البشرية المختلفة. وبالرغم من انه لا يمكن وضع تقدير دقيق لانواع الحيوانات والنباتات التي انقرضت، الا ان البيانات تشير الى انه منذ عام1600 انقرض ما يقارب 724 نوعا. وفي الوقت الحالي يوجد 3956 نوعا مهددا بالخطر و3647 نوعا معرضا للخطر و7240 نوعا نادرا . وقد ذكرت بعض التقارير ان 25 بالمئة من التنوع البيولوجي معرض لخطر الانقراض خلال الـ20-30 سنة المقبلة، ومن هنا كانت أهمية اتفاقية التنوع البيولوجي CBD كمعاهدة متعددة الأطراف للدول تضم ثلاثة أهداف رئيسية حفظ التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام لمكوناته والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية. وبعبارة أخرى فأن الهدف الرئيسي هو وضع استراتيجيات وطنية للحفاظ والاستعمال المستدام للتنوع البيولوجي، وغالبا ما ينظر إليها على أنها وثيقة رئيسية بشأن التنمية المستدامة”.
وقال: “ان استراتيجيات التنوع البيولوجي وخطط العمل الوطنية (الاستراتيجيات وخطط العمل)، هي الأدوات الرئيسية لتنفيذ الاتفاقية على الصعيد الوطني، وتقتضي الاتفاقية على البلدان بإعداد استراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي (أو ما يعادلها) والتأكد من أن هذه الاستراتيجية تعمم في التخطيط والتنفيذ لأنشطة جميع القطاعات التي يمكن أن يكون لها تأثير (إيجابي وسلبي) على التنوع البيولوجي للأنشطة. أن استضافة جمهورية مصر العربية لمؤتمر الأطراف الرابع عشر للاتفاقية، والمزمع عقده بمدينة شرم الشيخ، يثبت ثقة العالم بوطننا العربي، ويثبت الثقة في جهود جمهورية مصر العربية المبذولة في حماية وإدارة التنوع البيولوجي ودمجه في القطاعات التنموية المختلفة كالسياحة والزراعة والمصايد وغيرها من القطاعات، ومشاركتها بصورة فعالة في وضع السياسات والاستراتيجيات العالمية المتعلقة بالتنوع البيولوجي”.
الخطيب
وقال الخطيب فيها: “منطقتنا العربية تتمتع بتنوع حيوي فريد من حيث الأنواع والأنظمة البيئية في مواطن قاحلة وشبه قاحلة ومتوسطية. أما بالنسبة للبنان، فهو يحتوي على 9116 نوعا معروفا من الأنواع الحيوانية والنباتية، ومن الخصائص التي يتسم بها هي الغنى في التنوع الحيوي في بقعة أرضية ذات مساحة محدودة جدا، اذ ان لبنان يغطي فقط 0.007 بالمئة من السطح البري للعالم ويحتوي على حوالى0،8 بالمئة من الأنواع المسجلة والمصنفة في العالم. وبهدف حماية الموائل الطبيعية، والأنواع المتفردة والمهددة بالانقراض، أعلن لبنان خمس عشرة محمية طبيعية تغطي ما يقارب 2،7 بالمئة من مساحة البلاد وتضم تنوعا بيولوجيا غنيا. إضافة إلى ذلك، تحظى بعض المواقع بالاعتراف من هيئات واتفاقيات دولية، مثل اتفاقية اليونيسكو لمواقع التراث العالمي واتفاقية رامسار، بروتوكول المناطق التي تتمتع بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في المتوسط وغيرها”.
وتابع: “يقدم التنوع الحيوي خدمات أساسية للرفاه البشري والازدهار الاقتصادي، وهي تتضمن: التنظيم المناخي، الأمن الغذائي، المنتجات الطبية، الخدمات الثقافية، والخدمات البيئية كدورات الأغذية وتلقيح المحاصيل وغيرها، انما يواجه التنوع الحيوي في لبنان تهديدات عديدة، مما توجب وضع خطة وطنية شاملة للحد منها ومكافحتها لتأمين حماية واستدامة التنوع الحيوي في بلادنا”.
وقال: “حددت هذه الاستراتيجية رؤية للبنان للعام 2030 من أجل الحفاظ والاستخدام المستدام للتنوع الحيوي والوصول العادل للمواطنين الى سلع النظم الإيكولوجية وخدماتها. ونحن على يقين ان جميع الدول العربية قد انهت اعداد استراتيجياتها الوطنية للتنوع الحيوي وقد احرزت تقدما ملموسا في تنفيذ نشاطات ومشاريع تهدف للمحافظة على التنوع الحيوي في بلادها، وذلك سيساهم بتفعيل تنفيذ متطلبات اتفاقية الامم المتحدة للتنوع الحيوي من قبل البلاد العربية وبمشاركة فعالة للمنطقة العربية في الاجتماع الرابع عشر لمؤتمر الاطراف في الاتفاقية الذي سيعقد في مصر في تشرين الثاني 2018. ومن هنا نثني على جهود الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة، وبشكل خاص المركز الاقليمي لغرب آسيا للدعم الذي يقدمه لدول المنطقة من اجل تنفيذ نشاطات ودراسات وابحاث عن التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية وفي مجال تنفيذ أنشطة للتوعية البيئية بهذا الخصوص”.
وأضاف الخطيب: “يوجد في لبنان حاليا 13 جمعية بيئية غير حكومية أعضاء في الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وهذه الجمعيات الاعضاء تشكل اللجنة الوطنية للاتحاد في لبنان. وقد باشرت وزارة البيئة اللبنانية أخيرا بالإجراءات اللازمة لإعادة انضمامها الى الاتحاد كعضو حكومي، وذلك لتفعيل شراكتها مع الاتحاد من اجل الاستفادة بشكل اكبر من خبراته العلمية الإقليمية والدولية لتنفيذ دراسات ونشاطات تقع ضمن اولويات لبنان البيئية وحاجاته. ان شراكة وزارة البيئة اللبنانية مع الاتحاد تعود لزمن بعيد، منذ بدايات انشاء وزارة في التسعينيات، نذكر منها على سبيل المثال تنفيذ اول مشروع لإدارة عدد من المحميات الطبيعية في لبنان، إذ قدم الاتحاد الدعم التقني المطلوب، تلاها مشروع لتطوير شبكة وطنية من المحميات البحرية في لبنان نتج عنه وضع “الاستراتيجية اللبنانية الخاصة بالمحميات البحرية التي اقترحت 18 موقعا بحريا في لبنان لإعلانها محميات بحرية، فضلا عن إعداد دراسات عن البيئة والبحرية، وقد باشرت وزارة البيئة بالإجراءات اللازمة لاعلان بعض المواقع المقترحة محميات بحرية”.
وتابع: “يمنح هذا المنتدى الاقليمي اليوم الفرصة للاستماع الى تجارب كل من لبنان ومصر والاردن في مجال التنوع الحيوي وفي مجال اعداد استراتيجياتها الوطنية عن هذا الموضوع من أجل الايفاء بالتزاماتها تجاه اتفاقية التنوع الحيوي، كما سيفتح المجال لعرض دراسات حالة حول تقدم العمل في كل من لبنان والاردن لتطوير لائحة حمراء وطنية للانواع المهددة بالانقراض في كل بلد، وسيخولنا هذا المنتدى ايضا الاستماع الى مداخلة مصر حول التحضيرات الجارية لتنظيم مؤتمر الاطراف لاتفاقية التنوع الحيوي عام 2018، اضافة الى ان الزيارات الميدانية المزمع تنظيمها غدا ستعرف المشاركين على نشاطات اللجنة الوطنية اللبنانية للاتحاد العالمي لحماية الطبيعة”.
بنت علي
وألقت مؤسسة الحديقة النباتية الملكية – الاردن كلمة قالت فيها: “حبا الله عز وجل المملكة الأردنية الهاشمية بطبيعة جميلة وتنوع حيوي فريد من شمالها لجنوبها، وقد تنبهت القيادة في بلدي لأهمية وضرورة حماية مكتنزاته الطبيعية والمحافظة عليها، فكانت المحميات الطبيعة وهيئات المجتمع المدني التي تعمل على حماية التنوع الحيوي في ستينيات القرن الماضي. وبعد إعلان ريو عام 1991 في قمة الأرض كان الأردن من أول الدول الموقعة على إتفاقية التنوع الحيوي إيمانا بضرورة المحافظة والحماية لعناصر التنوع الحيوي. ومواصلة للجهود المبذولة جاء قانون حماية البيئة الأول عام 1995 وتم إنشاء المؤسسة العامة لحماية البيئة تبعها في عام 2003 إنشاء وزارة البيئة. وبما أن تحقيق النجاح والتقدم لا يأتي بجهود فردية فكان لا بد من وضع آلية للعمل الجماعي وجمع كافة الجهات الرسمية وهيئات المجتمع المدني والباحثين في مجال التنوع الحيوي للجلوس إلى طاولة واحدة والعمل بروح الفريق الواحد، ومن هنا جاء تأسيس اللجنة الوطنية للتنوع الحيوي عام 2011 لتمثل اللجنة المرجعية الوطنية للمعلومات المتعلقة بالتنوع الحيوي بما في ذلك التقرير عن حالة التنوع الحيوي تجاه الإستحقاقات الوطنية والدولية وخصوصا تلك المتعلقة بإتفاقية التنوع الحيوي”.
وتابعت: “إن دور هذه اللجنة كمنصة وطنية أسست لصالح أولويات حماية التنوع الحيوي ضمن منهجية تشاركية بناءة تعمل من خلالها مع جميع أصحاب العلاقة على المستوى الوطني قد أهلها لأن تكون الآلية الوطنية للاستجابة للقضايا الطارئة والملحة ذات الصلة بالتنوع الحيوي بحسب الأولويات التي يقرها أعضاؤها ضمن أدوارهم الوطنية المختلفة: المنفردة منها أو المجتمعة. كما أن تشكيلة اللجنة الفعالة بالاضافة إلى مهامها قد ساهم في تمكين وزارة البيئة الاردنية من انجاز العديد من الأعمال وقد كان لالتزام أعضائها الدور البارز في تحقيق النجاح تلو الأخر، وتمكنت اللجنة من متابعة إعداد التقارير الوطنية الخمس ويتم اعداد التقرير الوطني السادس بتمويل من مرفق البيئة العالمي، تحديث الإستراتيجية الوطنية للتنوع الحيوي (2015-2020) وبما يتماشى مع أهداف أيشي وبالتعاون مع الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة، المساهمة في تحديث قانون حماية البيئة وإفراد مواد خاصة بالتنوع الحيوي والسلامة الإحيائية، متابعة تنفيذ المشاريع الوطنية المتعلقة بالتنوع الحيوي، التدريب وتفعيل مقاصة معلومات التنوع الحيوي (CHM)، تحديد المشاكل والتجاوزات في الغابات ولا سيما التحطيب الجائر ووضع حلول لها، مراجعة ومتابعة تقرير اللجنة الفنية المشكلة لدراسات الأنواع التي تغزو البيئات والموائل وتأثيراتها على الأنواع المحلية، إنجاز اللائحة الحمراء الخاصة بالأردن من قبل الحديقة النباتية الملكية والتوقيع على بروتوكول ناغويا”.
وقالت: “إن الحياة الطبيعية وموائلها لا تعرف الحدود السياسية للدول، ولكي نستشرف المستقبل معا، فلا بد من أن نجهز أجندة واضحة لصون التنوع الحيوي في منطقتنا ونشهرها في مؤتمر الأطراف الرابع عشر والذي سيعقد في مصر الشقيقة في العام المقبل. ولا يمكننا ان نغفل دور التشبيك الإقليمي بين الأشقاء حيث يعتبر هذا حجر الزاوية للتنسيق والتعاون، وتحضرني هنا الآية الكريمة: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون”.
وختمت: “العمل الناجح يتطلب منا وضع الأهداف المستقبلية بنظرة طموحة والسعي وراء تحقيقها وهذا ما يمكننا إنجازه للأجيال المقبلة سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الإقليمي بالتعاون مع الأشقاء والاصدقاء. فالخبرات المحلية متوفرة والطاقات والطموحات عالية إن شاء الله. وفي الختام، أتقدم إليكم بالشكر الجزيل على حسن إستماعكم وضيافتكم مع أمنياتي لكم التوفيق والنجاح في أعمالكم”.
الأهداف
خلال اعمال المنتدى عرض نقاط الاتصال لاتفاقية التنوع الحيوي استراتيجيات بلادهم المتعلقة بالتنوع الحيوي للسنوات المقبلة. وفرت هذه العروض التوضيحية معلومات لجميع المشاركين عن التحديات البيئية الوطنية وخطط العمل المستقبلية للحكومات.
تجدر الإشارة إلى أن المنتدى الاقليمي للتنوع الحيوي الاول يهدف الى تنسيق الجهود على المستوى الاقليمي، وذلك للتحضير لمؤتمر الاطراف الرابع عشر المزمع عقده في جمهورية مصر العربية في تشرين الثاني 2018. ويهدف المنتدى كذلك الى دعم التنسيق الفني بين نقاط الاتصال المسؤولين عن اتفاقية التنوع الحيوي من اجل التحضير لعرض الاستراتيجيات الوطنية في مؤتر الاطراف.