تبدلت مع الجيل الصاعد الكثير من المفاهيم والأفكار حيال البيئة، وما تمثل من جرح راعف في وطن أدار مسؤولوه الظهر لمعاناته، حتى بدا أن هذا الجيل أكثر وعيا ومسؤولية ليس في تبني خيارات مهمة فحسب، وإنما في استلهام أفكار ومصطلحات تعكس ثقافة على صلة بواقعنا، فالبيئة لم تعد في عرفه مجرد قضية عابرة، لا بل باتت تمثل قضية طارئة تفترض أن يكون ثمة مسعفون يتناوبون السهر عليها، ومراقبتها وتشخيص حالتها، كمقدمة لعلاج يشفي ودواء يزيل الوجع ويقضي على الأعراض والمسببات.

هذا الانطباع تكوَّن لدينا، ونحن نتابع على مدى أسابيع عدة، “بروموسيونات” مبادرة انبثقت من قلب الوجع والمعاناة، واتخذت لنفسها اسم وشعار “مسعفون بيئيون”، وباتت في غضون فترة قصيرة محط تقدير سائر الأوساط البيئية، ولم يكن من قبيل الصدفة أن ينخرط فيها شباب تيقنوا أن البيئة تستدعي حالة طوارىء وعناية مركزة.

عزيمة ومثابرة

انطلقت هذه المبادرة مع الشاب سليم كبارة من الميناء – طرابلس، وهو مجاز في علوم الأحياء، عندما بادر للنزول منفردا إلى شاطىء المسبح الشعبي في الميناء وإزالة نفاياته، لينضم اليه مواطنون وشبان جمعهم الهدف نفسه، وانطلقت معهم حملة “مسعفون بيئيون”، كيف لا؟ وهم يسعفون شاطئا وبحرا أرهقتهما الأمراض ولم تكف يد الشر عنهما في غياب تام للجهات الرسمية المعنية.

وقد تابعنا كموقعgreenarea.info  مبادرة هؤلاء الشاب منذ اليوم الأول، وتأكدنا أنهم متسلحون بالقوة والعزيمة، فلم يتراجعوا وما نال منهم التعب، عندما كانوا يجدون أن المواقع التي بادروا إلى تنظيفها عادت وامتلأت بالنفايات، فأثبت كبارة ورفاقه بأن عزيمتهم ومثابرتهم هي الأساس.

وقال كبارة لــgreenarea.info : “خلال فترة الدراسة استوقفتني مادة التنوع الحيوي، خصوصا وأن لبنان منطقة غنية بتنوعها الأحيائي، الحيواني والنباتي، وكانت الدراسة نظرية، ولذلك فعليا لم نعطِ هذا التنوع حقه من الحماية والاهتمام، وكأي شخص من المنطقة أتردد إلى البحر وأرى الشاطئ وقد اكتسى ىالأوساخ كان يؤلمني المشهد، إلى أن قررت النزول إلى الشاطئ وباشرت بالتقاط الصور في 12 آذار الفائت، وتوجهت إلى لجنة البيئة والبلدية وطرحت تساؤلاتي أمامهم عن سبب انتشار هذه الأوساخ وإهمال الشاطىء، وعما اذا كان بالإمكان المباشرة بأعمال التنظيفات، مع إمكانية إشراك جمعيات وحملات أهلية بالعمل، ولكن خرجت شبه يائس، إلى أن قررت النزول بنفسي إلى الشاطئ فاخترت نقطة وباشرت العمل وحدي وقمت بالتقاط صور (قبل وبعد) ونشرتها عبر صفحتي في (فيسبوك)”.

IMG-20170807-WA0209
IMG-20170807-WA0210
IMG-20170807-WA0205

محاربة الانهزامية والسلبية

 

وأضاف: “عاودت العمل لأيام عدة، وبدأ التفاعل مع منشوراتي يتزايد، مع تشجيع كبير من الاصدقاء، وكنت أطلب منهم الانضمام إلي لنعبر عن ثقافتنا ووعينا، وبالفعل انضمت إلي أول متطوعة (لبنى ملحم)، وانضم أيضا (خالد قصاب)، وأطلقت مبادرتي بهدف محاربة الانهزامية والسلبية لدى الناس، ودفعهم لللنزول والعمل ورفض استمرار الحالة التي كان عليها الشاطئ”.

وأشار كبارة إلى أن “القضية كانت بالنسبة لي تحدٍ وتغيير لمفاهيم،  وكان عدد المتطوعين يتزايد يوما بعد يوم فانضم الينا ربيع تبياط وريما العوجة وخالد العمري كنت قد بدأت في اليوم الواحد بثلاثة اكياس مفرزة إلى أن وصل العدد إلى 18 كيس نفايات مفرزة يوميا”، ولفت إلى أنه “هنا بدأ التنسيق مع البلدية، وكنت أطلعها على نشاطي، وأطلعت شرطة الميناء على الموضوع، وطلبت تزويدنا بأكياس وقفازات، ولكن لم يزودنا أحد بها، وترتب على المتطوعين تأمينها، إلى ان اتصلت بي رئيسة (حملة الأزرق الكبير) عفت ادريس قبل 14 أيار وطلبت مني المشاركة بالحملة يومها وقد شاركت معهم في الميناء، وهذا اعطاني دفعا معنويا كبيرا للاستمرار نحو هدفي بتعميم ثقافة تمثلنا”.

وأردف كبارة: “ثم انضم إلينا الشاب محمد علم الدين الذي تابع وثابر معي بشكل يومي، وهذا الشخص اعطاني دفعا اكبر، خصوصا وانه يكبرني سنا، إلى ان بدأ شهر رمضان ولم نتوقف، في إحدى المرات تواصلت معنا (جمعية الفرز والضم) وأخذت منا 60 كيس بلاستيك، واضطررنا بعدها لرمي الأكياس المفرزة في المستوعبات، كما انه كانت هناك كمية ردم كبيرة شكلت جبلا على الشاطئ اختلط فيها الردم مع كمية كبيرة من (أغطية البلاستيك والشاليمون) في الميناء، وطلبت من البلدية مرات عدة بإزالته في هذه الفترة، وكان المتطوع هلال سفرجلاني الذي عثر على المواد السامة في جزر البلان إلى شهر تموز، حيث وصل عدد المتطوعين في كل مرة إلى 16 شخصا والاكياس إلى 100 كيس كل نهار أحد، وكنا نجد احيانا لافتات انتخابية وإعلانات واسفنج وغيره من بعدها تجاوبت البلدية في 16 تموز، وأرسلت جرافة وعمال تنظيف ووضعت عددا قليلا من المستوعبات عند الشاطئ”.

IMG-20170807-WA0232
IMG-20170807-WA0219
IMG-20170807-WA0221
IMG-20170807-WA0227

مشكلة البلاستيك والزجاج

 

وقال كبارة: “خلال تموز وصل عدد المتطوعين إلى 26 يتناوبون الحضور، وبدأنا نرى تجاوبا اكبر في المشاركة، وكان من الملفت أن الكميات الكبيرة من النفايات التي أزلناها كانت متراكمة منذ سنوات طويلة، لذلك لم نعد نلحظ عودة سريعة للاوساخ بنفس القدر، ولم يشعرنا ذلك باليأس، فكنا نعاود النزول والتنظيف، وقد حصلنا على بعض الوعود بتأمين آلات لغربلة الشاطئ من المواد الصغيرة، ومن المؤسف أنه ليس لدينا مقرا أو مكانا أو اي غرفة عند الشاطئ لنضع فيها أي عدة أو مستلزمات التنظيف، ففي إحدى المرات زودتنا البلدية ببعض العدة فعادت واسترجعتها، والآن ليس لدينا آلات ومعدات ولا كوخ (كيوسك) عند الشاطئ فالطلب رفض”.

وأشار إلى أنه “بالنسبة للبلاستسك والزجاج نواجه مشكلة في تصريفها فكلفة النقل مرتفعة، ولا نستطيع كأفراد تغطية هذه الكلفة، ولم تقدم لنا مساعدة لهذه الغاية، علما ان بعض الايادي البيضاء تدعمنا بأكياس وقفازات احيانا”.

 

نفايات طبية

 

وأكد “اننا مستمرون لتغيير مفهوم سائد وهو أن الشاطئ مزبلة، نعمل نهار الأحد بوجود رواد البحر، بقصد لفت نظرهم وحثهم على العمل معنا وعدم تلويث الشاطئ”.

واستطرد كبارة: “لدينا هدف ثانٍ، وهو تحريك السلطات المحلية والجمعيات لتتحمل معنا المسؤولية وتأخذ دورها بالمراقبة والمحاسبة ووضع المستوعبات،كما ونود أن نلفت النظر إلى أمر في غاية الأهمية وهو وجود نفايات طبية بين النفايات التي نعثر عليها عند الشاطئ، وهذا الأمر خطير جدا، ولا يجب التهاون فيه، ويبدو أن أحد المستوصفات أو المختبرات يتخلص من نفاياته في البحر”.

وتابع كبارة: “نحاول قدر الامكان العمل كمستقلين ونشدد على عدم تسييس حملتنا أو صبغها بأي لون، لذلك نقوم بجانب عملنا على تنظيم الحملة بكافة تفاصيلها، قمنا بوضع شعار خاص بنا وطباعته على قمصاننا، وصفحة خاصة بنا على (فيسبوك)”.

والجدير بالذكر أن هذه المبادرة بدأت تنشر عدواها الجيدة والمفيدة في منطقة زيتون ابو سمرة، وقد أطلق الحملة الشاب عامر بكور لإزالة أكياس النفايات من المنطقة، وقال كبارة “لقد شجعته مبادرتنا للنزول وحده، ومن ثم انضم اليه متطوعون آخرون”.

وقال كبارة: “مستمرون حتى الوصول نحو ماراتون بيئي وزيادة عدد المتطوعين في مجموعات تغطي كامل المنطقة”، وختم شاكرا “greenarea.info على اهتمامه بحملتنا ولتحركه السريع دائما، خصوصا في متابعة موضوع المواد السامة في جزر البلان”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This