في ما يصلنا من دراسات وخلاصات أبحاث علمية حول العالم، نتأكد حجم الجهد المبذول للوقوف على تفاصيل مهمة كانت خافية علينا لزمن طويل، فالتقنيات المتطورة وتراكم المعلومات أتاحا لنا الدخول في أدق تفاصيل الحياة الطبيعية، لنفهم أكثر آليات تطورها وما تواجه من أخطار.

وفي هذا المجال نشرت الدورية العلمية “نايتشر” Nature دراسة قدمت صورة أوضح وأكثر دقة حول عملية تطور النبات، لا بل أبعد من ذلك، فالدراسة وفرت فرصة لمعرفة كيفية الحفاظ على الأشجار المعمرة لتبقى دائمة الخضرة.

واللافت للانتباه، أن هذه الدراسة جاءت بالتزامن مع قطع تنظيم “داعش” الارهابي شجرة معمرة، بذريعة أنها “شركية” وأن ثمة أناسا يعبدونها!

 

الانصهار التطفري

 

تناولت الدراسة شجرة بلوط شاهقة ومعمرة من نوع Napoleon oak، يرقى عمرها إلى أكثر من 234 سنة، وتتصدر حرم “جامعة لوزان” University of Lausanne السويسرية، وتمكن من الصمود طوال هذه السنين، وكانت شاهدة على أحداث كبيرة كاجتياز قوات نابوليون بونابرت المدينة عام 1800، ولا نستغرب أن تصبح شجرة البلوط هذه من أبرز وأعظم معالم المدينة. ولكن عبر كافة تلك المراحل الزمنية، ظل جينوم الشجرة بلا تغيير على نحو أثار دهشة العلماء.

وفي هذا السياق اكتشف الباحثون في الجامعة ذلك الثبات غير المتوقع بعد قيامهم بسَلسلة الجينوم في فروع مختلفة من الشجرة، أدلة متزايدة على أن الأشجار قادرة على حماية خلاياها الجذعية من الطفرات. وربما كان لتلك الممارسة قيمتها في المحافظة على صحة تلك الأشجار على مدار عمرها الذي يمكن أن يصل إلى مئات السنين.

وبحسب عالِم الأحياء التطورية في “جامعة برن” University of Bern في سويسرا كريس كولماير Cris Kuhlemeier: “إذا تراكم لديك المزيد والمزيد من الطفرات، فسوف ينتهي بك الحال إلى الموت نتيجة لما يسمى بالانصهار التطفري mutational meltdown”.

الخط النسيلي

 

وأشارت الدراسة إلى أنه “في كل مرة تنقسم فيها الخلية، يمكن للطفرات أن تنشأ نتيجة للأخطاء التي تحدث في أثناء نسخ الجينوم”، وأضافت “تقوم الحيوانات بحماية خلاياها التناسلية من تلك الطفرات عن طريق عزل تلك الخلايا في مرحلة مبكرة من مراحل التطور، بعد ذلك تتبع تلك الخلايا، المسماة بالخط النسيلي germ line، مسارا تطوريا مختلفا، وعادة ما يكون معدل انقسام الخلايا فيها منخفضا”.

إلا أن النباتات ليس لديها خط نسيلي مخصص، ذلك أن مجموعة الخلايا الجذعية التي تؤدي إلى ظهور الأجزاء التناسلية للزهور تولِّد أيضا ساق النبات وأوراقه، ونتيجةً لذلك، ظن العلماء أن الخلايا الجذعية سوف تتراكم بها الكثير من الطفرات، وأن الحمض النووي للفروع الأحدث سنا فوق قمة شجرة معمرة سوف يكون مختلفا اختلافا كبيرا عن الفروع الأقل ارتفاعا.

ومن هنا، قرر عالِم أحياء النبات فيليب ريموند Philippe Reymond وفريقه بجامعة لوزان اختبار تلك الفرضية باستخدام شجرة البلوط الثمينة التي تقع في الحرم الجامعي.

وتكمن أهمية الدراسة في أن العلماء أجروا عملية تسلسل للجينوم الخاص بأوراق فروع الشجرة الأدنى والأكبر سنا، وفي الوقت عينه لأوراق الفروع الأعلى والأحدث عمرا، بعدها قاموا بحساب عدد التغيرات في “حرف واحد” من تلك التي اكتشفوها في الحمض النووي للشجرة، فوجدوا أن عدد الطفرات كان أقل بكثير مما كان متوقعا وفقا للعمليات الحسابية لعدد الانقسامات الخلوية التي حدثت ما بين الفروع الأدنى والفروع الأعلى للشجرة.

 

مسألة متأججة

 

وبهذا الصدد يقول عالِم الأحياء التطورية للنبات دانيل شوين Daniel Schoen من “جامعة ماكغيل” McGill University  في مونتريال – كندا: “إنها دراسة مثيرة للفضول، فهي تتطرق إلى مسألة ظلت على الدوام متأججة في أذهان علماء بيولوجيا النبات”.

وخلصت الدراسة إلى أن الوقت ما زال مبكرا للغاية من أجل تحديد مدى عمومية هذه الظاهرة لدى النباتات، وفق ما يقول كاريل ريها Karel Riha، عالِم وراثة النبات بالمعهد المركزي الأوروبي للتكنولوجيا Central Euro­pean Institute of Technology في برنو بجمهورية التشيك.

كذلك، فقد نظر الباحثون فقط في التغيرات (في حرف واحد) التي طرأت على تسلسل الجينوم، ولم يقوموا بتقييم أنواع أخرى من الطفرات، مثل الحمض النووي الذي تعرض للحذف.

 

داعش “يعدم” شجرة!

 

في سياق متصل، وفيما هذه الدراسة تمثل أهمية في مسار فهمنا لحياة الأشجار، تداولت مواقع وحسابات موالية لتنظيم “داعش” الإرهابي، صورا تظهر رجلين من داعش يتسلحان بمنشار آلي ويتسلقان شجرة كبيرة، ثم يهمان بتقطيع أغصانها واحدا تلو الآخر.

ذنب الشجرة أنها “شركية”، حسب الوصف المرفق للصور التي نشرتها وسائل إعلام بريطانية نقلا عن حسابات الموالين لداعش.

وأشارت صحيفة “الإندبندنت” إلى أن جماعة موالية لداعش تطلق على نفسها “جيش خالد بن الوليد” تسيطر على منطقة صغيرة قرب مرتفعات الجولان السورية، قررت التخلص من الشجرة بعد أن بلغتها معلومات تفيد بإقدام بعض سكان المنطقة على “عبادة” الشجرة، وأن ما يقوم به الناس هناك يأتي في حدود “التعبد من دون الله”.

وليست تلك المرة الأولى التي يقدم فيها داعش على قطع الأشجار، فقد سبق أن قطع شجرة بلوط عمرها 150 عاما في قرية أطمة شمال سوريا عام 2013، حسب “الإندبندنت”.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This