يوماً بعد يوم، تنتقم الأرض من ملوّثي هواءها ومياهها، ويصبّ الإحترار المناخي جام غضبه على البشرية جمعاء، وإن بوسائل مختلفة وطرق غير متساوية. فإما يرفع من حرارة الشمس ويسبّب الجفاف، أو يبسط فيضانات من هنا وأعاصير من هناك. وفي نظرة سريعة على واقع ما يحدث من ظواهر طبيعية، يمكن القول بسخرية، أن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ الكوكب الأزرق، جعلته هدفاً ثميناً لسهام الإنتقام.
فإعصار “هارفي” الذي ضرب البرّ الأميركي منذ يومين وتحديداً تكساس، تحوّل إلى أكبر إعصار من الدرجة الرابعة يضرب المنطقة خلال أكثر من عقد. وسجّل سرعة رياح وصلت إلى 169 كيلومتراً في الساعة. هو أول إعصار من موسم أعاصير الأطلسي لعام 2017، الأقوى منذ إعصار شارلي عام 2004، أول عاصفة بهذه الشدة تضرب الولايات المتحدة منذ إعصار ويلما عام 2005، وأول إعصار يضرب تكساس منذ إعصار آيك في عام 2008، وأقوى إعصار يضرب تكساس منذ إعصار كارلا في عام 1961، وثامن إعصار يتم تسميته.
رجل البيت الأبيض إستبق وصول “هارفي” بإعلان حالة الطوارئ الطبيعية، وذلك نزولاً عند طلب حاكم ولاية تكساس.
نصحت السلطات السكان بالإحتماء من رياح وفيضانات ربما تهدد حياتهم ، وأجلت بعض السكان وألغت الدراسة في عشرات المدارس على طول ساحل جنوب تكساس التي يسكنها 5.8 مليون نسمة.
كما أدت الأحوال الجوية السيئة إلى إلغاء أو تأخر 40 رحلة على الأقل من وإلى المطارات الرئيسية في تكساس، وأعلنت ولايتا تكساس ولويزيانا حالة الطوارئ لإتاحة المجال أمام إستخدام مواردهما في التحضير لمواجهة العاصفة.
على الإثر أُعلنت ولاية تكساس منطقة كوارث، ونُشر نحو 3000 جندي من قوات الحرس الوطني. وأغلق مطارا هيوستن أمام حركة الملاحة التجارية وأخلي أحد أكبر مستشفيات المدينة. بينما قررت مجموعة “إكسون موبيل” النفطية العملاقة تعليق أنشطتها. وتحدثت الهيئة عن اضطرابات جوية “غير مسبوقة” و”عواقب غير معروفة حتى الآن تذهب أبعد مما رأيناه ومما شهدناه”.
الخسائر بشرية وإقتصادية، وبينما لقي تسعة أشخاص على الأقل حتفهم وشرد الآلاف بسبب الفيضانات العارمة الكارثية في هيوستن، أكبر مدن الولاية، رأى حاكم تكساس غريغ أبوت أنه من المبكر جداً إحصاء الخسائر البشرية، إلا أن قيمة الأضرار المادية ستصل إلى “مليارات الدولارات. بينما قال معهد متخصص في أبحاث التأمينات إن تكلفة الأضرار الناجمة عن الإعصار قد تعادل تكلفة أضرار الإعصار كاترينا الذي اجتاح نيو أورليانز كإعصار من الفئة الثالثة في عام 2005 وتسبب في وفاة 1800 شخص.
من جهته ، قال ترامب أن إعادة الإعمار في تكساس “ستكون طويلة وصعبة” بسبب الأضرار التي تسبّب بها الاعصار “هارفي” .وتحدّث عن مستوى تاريخي من المياه لم يحدث يوماً مشيراً إلى ان فريقه اتصل بزعماء الكونغرس لمناقشة إغاثة ملايين الاشخاص المتضررين من الاعصار. وقال بروك لونج مدير الوكالة الإتحادية لإدارة الطوارئ إن من المتوقع أن يطلب أكثر من 450 ألف شخص المساعدة بسبب السيول التي وقعت بعد وصول هارفي لليابسة مطلع الأسبوع ثم انخفاض شدته لمستوى العاصفة المدارية.
وبينما استمرت حال الطوارئ في ولاية تكساس أمس، حيث تم حشد 12 الف عنصر من الحرس الوطني لمواجهة الفيضانات الضخمة الناجمة عن الاعصار. أعلنت حال الطوارئ الفيدرالية في لويزيانا مثلما حصل في تكساس، لإتاحة توفير مستلزمات الاغاثة والانقاذ. وقالت إيلين ديوك القائمة بأعمال وزير الأمن الداخلي ” لم نتخط مرحلة الخطر بعد… هارفي لا تزال عاصفة خطيرة وتاريخية”.
وأضافت أن الوكالات الإتحادية تركز في الوقت الراهن على توفير المساعدة التي يحتاجها مسؤولو ولاية تكساس والمسؤولون المحليون لمواصلة جهود البحث والإنقاذ لمساعدة من تضرروا بشكل مباشر من السيول.
وقالت “في الوقت الراهن نركز على عمليات الإنقاذ وسننتقل لعمليات الإصلاح هذا الأسبوع… لكن اليوم نحن قلقون بشدة على من هم في هيوستون والمناطق المحيطة الذين تقطعت بهم السبل ويحتاجون لمساعدة فورية”. وقال بروك إن السلطات تتوقع نقل أكثر من 30 ألف شخص إلى مراكز إيواء مؤقتة بسبب السيول.
لم يسجّل “هارفي” خسائر بشرية بحجم قوّته، بل ارتفعت تلك الإقتصادية، إلا أن الفضل يعود في هذا المجال بشكل أساسي للسياسة الطبيعية الناجحة المتّبعة ما قبل وصول الإعصار، عبر إعلان حالة الطوارىء وتجنيد دولة بكبيرها وصغيرها لإسعاف المواطنين ونقلهم من دائرة الخطر إلى أماكن أكثر أماناً .. تماماً كما يحصل في لبنان قبل أول زخّة مطر، فتطوف الطرقات وتحمل ما عليها من نفايات ومجارير، كما تعوم السيارات والمحلات التجارية، فينقطع إرسال الهواتف وتفرغ بطاريات الشحن ليصبح لبنان منطقة كوارث !!
إليكم بعض صور ما خلّفه الإعصار :