هول الأعاصير التي اجتاحت أميركا في بعض ولاياتها، لن يكون أقلّ من هول كلفتها البشرية والمادية. وتهويل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ “بدعة” تغيّر المناخ إنقلبت ضدّه وأظهرت له، من خلال حرائق شرق ووسط البلاد من جهة وأعاصير الشرق والغرب من جهة أخرى، فظائع الطبيعة بسبب الإحترار المناخي الذي يشتدّ يوماً بعد يوم.
إعصاران ضربا الولايات المتحدة الأميركية في خلال أسبوع واحد، والآتي أعظم بالأعاصير المنتظرة، “جوزي ” التي تشير النماذج إلى انّه سيمر بالقرب من نيويورك ، والعاصفة الإستوائية عالية الفعالية على الساحل المكسيكي الغربي التي ستوّلد إعصاراً من المنتظر أن يتوجه نحو جنوب كاليفورنيا.
وبينما تحددت الأضرار البشرية، كان من الواضح جداً بسبب قوة الإعصارين عدم إمكانية تحديد الأضرار المادية خصوصاً بعد إعلان مناطق منكوبة في بعض الولايات.
شركة “اكيوويذر” الخاصة للأرصاد الجوية قدّرت كلفة الإعصارين “إرما” و”هارفي” بـ 290 بليون دولار، او 1,5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للولايات المتحدة.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة ومؤسسها جويل مايرز، أن التقديرات المتعلقة بالأضرار التي نجمت عن “إرما” يفترض أن تبلغ حوالى مئة مليار دولار، ما يجعله واحداً من الأعاصير الأعلى كلفة في التاريخ. في حين أن الإعصار “هارفي” سيكون الكارثة المرتبطة بالأحوال الجوية الأكثر كلفة في تاريخ الولايات المتحدة بمبلغ 190 بليون دولار، أي واحد في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للولايات المتحدة.
وبالتالي، وبعد جمع الرقمين، تصبح كلفة الإعصارين 1,5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، حسب مايرز الذي أوضح أن ذلك يلغي النمو الاقتصادي المتوقع بين منتصف آب (أغسطس) الماضي ونهاية السنة.
منازل دمّرت، شركات توقّفت عن العمل، كهرباء إنقطعت ومعامل تعطّلت، الأضرار شاملة في ما يخص الإعصارين، وبالتالي فإن التكاليف لن تقع فقط على عاتق فردي أو عاتق ميزانية دولة. فرأس هرم الدولة الذي تقع على عاتقه إدارة الكوارث قد يقوم بما هو واجب عليه، أما شركات التأمين فخسارتها لن تعوّض!
فإعصار “إرما” الذي دمّر فلوريدا وأغرقها، قد يكبّد شركات التأمين خسائر ملحوظة قد تصل قيمتها إلى 75 مليار دولار حسب ما توقّعت شركة “فيتش” للتصنيف الإتماني.
مدير مركز إدارة أخطار العواصف الكارثية في جامعة فلوريدا جاك نيكولسون، الذي شدّد على أنه لم يسبق أن رأى عاصفة بهذه القوة، أشار إلى أن “إرما” ربما تُنتج خسائر بكلفة 100 مليار دولار على الأبنية المؤمنة وغير المؤمنة في فلوريدا. إضافة إلى أخرى مترتبة عن إنقطاع الكهرباء والنقص في إمدادات الوقود، التي ستؤثر بطبيعة الحال في الإقتصاد الأميركي ككل.
في هذا الإطار، يشير محلل الكوارث في معهد “إنكي” للبحوث شاك واتسون، إلى أن “الإعصار بمثابة كابوس لشركات التأمين العاملة في الولاية، لأن الخسائر قد تفوق بسهولة عتبة 135 مليار دولار في فلوريدا، إضافة إلى خسائر إقتصادية أخرى قد ترفع الفاتورة إلى 200 مليار “، فضلاً عن إمكانية تعثّر بعض الشركات في التغطية وسداد المستحقات، الأمر الذي يعني أن أزمة إقتصادية فعلية تعوم مع فيضانات البحار في أميركا .
إعصار هارفي الذي بدأ كإعصار من الدرجة الرابعة، ليُخفّض تصنيفه إلى عاصفة إستوائية، توقّع مصرف “جي بي مورغان” أن تتراوح فاتورة التأمين بين 10 بلايين دولار و20 بليوناً، وهو أقل في شكل طفيف من إيرادات قطاع التأمين في ربع واحد. بينما توقّع إقتصاديون أن تفوق الخسائر هذا الحد لتصل إلى 42 مليار دولار، وذلك مع تضرر منشآت صناعية ونفطية.
في المقابل، أشار راندي بينر المحلل في شركة «أف بي آر» لأسواق المال، الى أن كلفة “هارفي” على شركات التأمين ستقتصر على ملياري دولار إلى 3 مليار، لأن غالبية الأضرار تركزت على الفيضانات وهو ما يغطيه برنامج الفيضانات الحكومي وليس شركات التأمين التي تغطي الخسائر الناتجة من الهواء غالباً.
لا يمكن توقّع حجم الخسائر التي قد يتكبدها الإقتصاد الأميركي أو شركات التأمين نتيجة الأعاصير والحرائق التي تضرب الولايات من شرق أميركا إلى غربها، إلا أن الأكيد أن الخسائر هائلة والخاسر الأكبر هو ترامب الذي راهن على أن التغيّر المناخي هو بدعة إخترعها الإنسان لا ضرورة لدفع الأموال لمواجهته، فخسر أولاً ثقة بعض الناس بقراراته، ثانياً تكبّدت دولته الأموال الطائلة واقتصاده تأثّر .. فهل يتراجع عن موقفه؟ أو هو بانتظار تداعيات أكبر لتنازله عن عرشه !