في تقرير هو الأول من نوعه، دعا خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بإقامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف، ألفريد دي زاياس، ان يعدل البنك الدولي ميثاقه والشروع في عملية شاملة لصياغة سياسة جديدة ومنفصلة لحقوق الانسان، ينبغي ان يتجسد فيها الإلتزام بإدماج حقوق الإنسان في أعماله عن طريق تحليل قضايا حقوق الإنسان ذات الصلة بالتنمية في سياق الاستراتيجيات الوطنية، واسداء المشورة الى الحكومات بشأن كيفية احراز تقدم في الامتثال لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وتحديد مخاطر حقوق الإنسان المرتبطة بما يقوم به البنك الدولي من إستثمارات أو يقدمه من مشورة.
ويفترض ان يناقش تقرير الخبير الأممي، في مجلس حقوق الإنسان، خلال دورته السادسة والثلاثون التي انطلقت مطلع الاسبوع الجاري في المقرر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف في سويسرا.
وكان مجلس حقوق الانسان قد دعا الخبير المستقل الى مواصله بحثه في تأثير السياسات المالية والاقتصادية التي تنفذها المنظمات الدولية والمؤسسات الاخرى، ولا سيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، على قامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف.
وفي العام 2016 اصدر الخبير المستقل تقريراً بشأن التأثير السلبي لاتفاقات الاستثمار الدولية واتفاقيات التجارة الحرة المتعددة الأطراف في مجال حقوق الإنسان.
ورغم ان المؤسسات المالية الدولية تقول انها تسعى لتعزيز حقوق الانسان والتنمية، فإن سياساتها قد أدت الى تآكل البيئة المؤاتية لحقوق الانسان في العديد من البلدان، لا سيما من خلال تعزيز السياسات الليبرالية الجديدة التي تضعف القطاع العام، وتعيق الدول عن الوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدات حقوق الإنسان في مجالات البيئة والتعليم والرعاية الصحية ومعايير العمل وتوفير مستوى معيشي لائق. وعلاوة على ذلك فإن البنك الدولي، بتمويله المشاريع التي تتهرب من الضرائب، يحرض على تحويل الموارد العامة عن تلبية الخدمات العامة، ويعزز شركات القطاع الخاص على حساب المجتمعات المحلية، خاصة عندما تنحرف الاستثمارات عن اهدافها وتؤدي الى زيادة التكاليف التي تتكبدها الحكومات.
ويدعو الخبير المستقل دي زاياس في تقريره مجموعة البنك الدولي ان تتبع نهجاً قائماً على حقوق الانسان في الاقراض، وتتخذ الاجراءات اللازمة لمكافحة الاعمال الانتقامية، وتكافح الفساد، وتقبل المسؤوليات القانونية بالتنازل عن الحصانة المطلقة.
وتتألف مجموعة البنك الدولي من البنك الدولي للانشاء والتعمير، ومؤسسة التمويل الدولية، والمؤسسة الدولية للتنمية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
ويشير التقرير الى انه على مدى السنوات الستين الماضية، اثارت انشطة مؤسسة التمويل الدولية، انتقادات واسعة، رغم استخدامها لغة تنم عن المثاليات في منشوراتها وادبياتها ، من قبيل “مكافحة الفقر بحماس وحس مهني” !
ويضيف التقرير: “يواصل كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الضغط من أحل زيادة الاعتماد على الحلول القائمة بشكل مطلق على السوق، متبعين في ذلك منظور “الاصولية السوقية” الذي كثيرا ما ندد بها من قبل علماء السياسة والاجتماع.
وشهد عام 2016 زيادة التعاون بين المصارف الانمائية المتعددة الاطراف، مع التركيز على مشاريع الهياكل الاساسية الضخمة، والاعتماد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، كوسيلة للتحايل على ضيق الفسحة المالية المتاحة، ومواصلة بذل الجهود لفرض ما يسمى بالمرونة في العمالة.
وتوثق منظمات المجتمع المدني بشكل دائم الانتهاكات التي ترتكبها الشركات المستفيدة من تمويل البنك الدولي. ومن أشد الانتهاكات إنتزاع الاراضي ، وعمليات الاخلاء الوحشية، وإعادة التوطين غير الطوعي، والعمل القسري، وعمل الاطفال، والاعتداء الجنسي، والتلوث الواسع النطاق، وتدمير البيئة، والاعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الانسان، والفساد وغسل الاموال.
ويشير تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في العام 2015 الى أن البنك الدولي قام خلال الفترة من عام 2009 الى عام 2013 بضخ 50 بليون دولار في مشاريع مصنفة ضمن الفئة الاعلى خطراً من حيث الاثار الاجتماعية والبيئية التي لا رجعة فيها او لم يسبق لها مثيل. ومن بين الفئات الضعيفة التي عانت نتيجة لاعمال التنقيب والتعدين وقطع الاشجار والمشاريع الكهرمائية الكبرى، الشعوب الاصلية التي انتزعت أرضها او دمرت عن طريق النشاط الصناعي دون استشارتها ودون موافقتها الحرة والمسبقة.
وهناك العديد من الامثلة حول الانتهاكات التي لحقت بالمجتمعات المحلية وحقوق العمال جراء مشاريع مولها البنك الدولي في أثيوبيا وتنزانيا والبيرو وتشاد والكاميرون والصين والولايات المتحدة الاميركية والصين والبرازيل والهند.
ويشير التقرير الى ان الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي يتباهى بها البنك الدولي، وترعاها مؤسسة التمويل الدولية، تهدد بتعطيل برامج صحية في ليسوتو. وادى سوء النظافة في سلسلة مدارس تمولها جزئياً مؤسسة التمويل الدولية الى اغلاق 63 مدرسة في اوغاندا. وتقول منظمة غير حكومية ان الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي يرعاها البنك الدولي في ارمينيا ادت الى زيادة عدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد. اضافة الى عدم اتخاذ اي اجراءات لمنع الاعمال الانتقامية من قبل الحكومات ضد من يجاهرون بمعارضة مشاريع يمولها البنك الدولي لا سيما في اوزباكستان واوغندا وكمبوديا والهند واماكن اخرى.
ويلغي مشروع يدعمه البنك الدولي في العديد من البلدان معايير أساسية تكفل ممارسة انشطة العمال بما يراعي حقوق الانسان، حيث شجع البنك الغاء الضوابط التنظيمية وتخفيض المعايير الاجتماعية والبيئية. كما بدأ البنك مشروع تمكين الاعمال الزراعية باعتماد “ممارسات تنظيمية جيدة” ليتبين ان هذه الممارسات تكرس تيسير الحكومات لاستيراد وتوزيع الاسمدة الكيماوية، وتطبيق حقوق الملكية الفكرية في الزراعة، وتمكين شركات البذور من زيادة الارباح، او تيسير تسويق البذور الصناعية بدلاً من البذور التي ينتجها ويتبادلها المزارعون، والتي هي أقل تكلفة واكثر تنوعاً وسهولة توفر في البلدان النامية.
ويخلص التقرير الى دعوة البنك الدولي الى الكف عن التشجيع على رفع القيود التنظيمية المفروضة على اسواق العمل، من خلال شروطه التمويلية، والمساعدة بدلا من ذلك على انهاء ارتفاع التفاوت في الدخل عن طريق دعم الحوار الاجتماعي والمفاوضة الاجتماعية. والتصدي للاعمال الانتقامية ضد منتقدي مشاريع البنك الدولي، والتنازل عن الحصانة المؤسسية في حال حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.