يعرف اللبنانيون ان القانون رقم ١٧٤ (الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ) الصادر في أيلول العام ٢٠١١، هو من أكثر القوانين تعرضاً للانتهاكات اليومية بتغطية من الوزارات المعنية بانفاذ القانون لا سيما لجهة حظر التدخين في الأماكن العامة، بما فيها المطاعم والمقاهي والملاهي.
حين اتخذ القرار بعدم تطبيق هذا البند من القانون، خرجت تبريرات من قبيل “إقتصاد النرجيلة” و “انهيار القطاع السياحي”، وما الى ذلك من حجج سيقت لخرق القانون وتكريس العرف المتبع حالياً، بغض الطرف عن التدخين في غالبية الأماكن العامة المغلقة.
لكن ما يثير التساؤل، امعان السلطات المعنية، لا سيما وزارة الصحة العامة، في غض الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها شركات التبغ لجهة حظر الاعلان المتعلق بالمنتجات التبغية، والتي ينص عليها مرسوم تنظيم لافتات الإعلان عن بيع منتجات التبغ في ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٢، حيث لا تزال الإعلانات الترويجية للدخان موجودة داخل التعاونيات والسوبرماركت، وإن بطريقة غير مباشرة، عبر عرض علب دخان غير مخصصة للبيع ضمن قالب زجاجي يعلوه ملصق ترويجي لشركات التبغ لا يظهر اسمها، لكنه يوحي بوضوح أن المقصود منه الترويج لبضائعها.
لائحة خروقات طويلة لحظر الترويج والاعلان للدخان، من الدعاية غير المباشرة في المحال، والترويج لمنتج معين، سواء حول خواصه او سعره او طريقة عمل الفيلتر، وغيرها من المعلومات المخادعة التي تحاول الايحاء ان منتجاً تبغياً هو اقل ضرراً من المنتج المنافس له !
تحصل هذه الخروقات في ظل سيطرة تامة لشركات التبغ الدولية ووكلائها في لبنان على صناعة القرار داخل إدارة حصر التبغ والتنباك في لبنان (الريجي)، وبتحالف وثيق مع أصحاب رخص «رئاسة بيع منتجات التبغ بالجملة”.
يتضح من خلال رصد اداء شركات التبغ والشركات الترويجية التي تعمل لحسابها، ان حرباً مستعرة تدور منذ قرابة شهر في السوق اللبناني بين منتجي Marlboro المملوك من قبل شركة Philip Morris ومنتج Kent المملوك من قبل شركة التبغ البريطانية الأميركية BAT. و
تسوق منتجات الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ الشرق الأوسط شركة ماليتاب اللبنانية التابعة لمجموعة ماليا. في حين تدير شركة Philip Morris منتجاتها وتسوق لها بشكل مباشر من خلال مكتبها الاقليمي في بيروت.
قبل فترة عمدت شركة التبغ البريطانية الأمريكية الى تغير طريقة تغليف منتج Kent واصدرته في السوق اللبناني، وخفضت سعره بحيث اصبح ثلاثة الاف ليرة لبنانية، وذلك لمنافسة منتج Marlboro الذي يباع بثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة لبنانية. ومع احتدام المنافسة عمدت الشركة الوكيلة لمتنج Kent الى الترويج لمنتجها من خلال مندوبات متواجدات في أماكن بيع القهوة في غالبية المناطق اللبنانية، حيث يجري تقديم قداحة بتصميم انيق بسعر ٢٥٠ ليرة لبنانية (ما يعادل ١٠ بالمائة من ثمنها) مع كل علبة Kent ، وطبعاً تستفيد المندوبة من هذه العملية لتعبئة استمارة مع الزبون تتضمن عمره وتفاصيل اخرى تتعلق باستهلاكه للتبغ ومنتجاته.
لم تتأخر شركة Philip Morris في الرد، فبادرت الى القيام بحملة مشابهه وقدمت مجاناً قداحة ذات بتصميم انيق عند شراء منتج Marlboro ، مع قيام المندوبة بنفس عملية الاحصاء والمسح للزبائن واتجاهاتهم الاستهلاكية.
ويشكل النشاط الترويجي لشركة Philip Morris وشركة التبغ البريطانية الأمريكية BAT مخالفة فاضحة لقانون الحدّ من التدخين، الذي يحظر القيام بأي نشاط يمكن أن يُعَدّ بمثابة دعاية أو إعلان لمنتج تبغي. ويمكن ان تصل غرامة هذه المخالفة إلى حدود 30 مليون ليرة، لكن الوزرات المعنية لا سيما الصحة والسياحة والاقتصاد والداخلية والبلديات لم تبادر الى تحرير محضر واحد بحق شركات التبغ المخالفة.
منذ سريان مفعول قانون الحدّ من التدخين الذي فرض حظراً على إعلاناتها، استخدمت شركات الدخان في لبنان الاستراتيجيات نفسها التي طبقت في مختلف دول العالم، حيث يُعمل بقوانين وطنية مشابهة. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تحويل استثماراتها في السوق إلى الإعلانات غير المباشرة خارج وسائل الإعلام.
ويعاقب القانون بغرامة تراوح بين 10 ملايين إلى 30 مليون ليرة لبنانية، كل من ينشر إعلاناً أو مادة دعائية مجاناً أو لقاء أجر عن المنتجات التبغية، بما في ذلك المنتجات غير التبغية المشابهة (السيجارة الإلكترونية، والسيجارة بدون نيكوتين، واللبان وغيرها)، إضافة إلى حظر الترويج للمنتجات التبغية من طريق الإعانة أو خفض الأسعار أو الحق بالمشاركة في سحب اليانصيب لقاء شراء أي منتج تبغيّ أو مشتقاته.
ويُظهر المسح العالمي لاستهلاك التبغ بين الشباب، الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في بلدان إقليم شرق المتوسط، أن مستويات التعرُّض للإعلان عن التبغ عبر اللوحات الإعلانية وفي الصحف والمجلات في منطقتنا هي مستوياتٌ مرتفعة؛ أي إن الإعلان والترويج عن هذا المنتج نشطٌ ومستمر، على الرغم من أنه محظورٌ تماماً طبقاً لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ التي وقَّعها لبنان.
وتركِّز المادة الرقم 13 من الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، على الحظر الشامل على كافة أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.
ويزداد تعاطي التبغ بسرعة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ويعود ذلك إلى استهداف تلك البلدان من قِبَل شركات صناعة التبغ. وبحلول عام 2030 سيقع 80% من مجمل الوفيات التي يتسبب بها التبغ في هذه البلدان التي ينتمي إليها إقليم شرق المتوسط. ويقتل الدخان ما يقرب من 6 ملايين إنسان كل عام، بينهم حوالى ٣٥٠٠ انسان في لبنان.