تابع المؤتمر الأول لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق أعماله طوال الأسبوع الفائت، حيث أنهى أعماله مساء الجمعة في 29 أيلول، محققا وضع الإتفاقية على سكة الإنطلاق نحو تكاملها مع الإتفاقيات الكيميائية الثلاثة (بازل وستوكهولم وروتردام)، الفاعلة حتى الآن في مجال حماية البيئة وصحة الإنسان من مخاطر المواد الكيميائية والنفايات السامة.
كان عدد الدول المشاركة كبيرا، بالإضاف إلى عدد كبير أيضا من ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميا. إنه المؤتمر الأول، ولذلك لم يكن عدد الدول الأطراف المصدقة بشكل كامل عليها، كافيا لتجاوز الدور الفاعل والمؤثر للدول غير مكتملة عملية التصديق بعد (ومن بينها لبنان)، التي شاركت بصفة مراقب، إسوة بممثلي المجتمع المدني والصناعة والمنظمات الدولية المراقبة أيضا. ولكن هذا الواقع لم يمنع رئاسة المؤتمر من ابتداع شكل جديد للتفاعل والحوار، سهل كثيرا أعمال المؤتمر، وأوصله إلى ضفة النجاح، التي سعى إليها الجميع وعملوا من أجلها. فكان أن علق المؤتمر أعماله بصفته التقريرية لمدة يومين، حيث أنشأ ما اتفق على تسميته “اللجنة الجامعة” Committee of the Whole – COW، حيث ساوت هذه اللجنة بين جميع المشاركين دون تمييز، فاسحة المجال لنقاش حيوي وعميق يوصل لتوافقات في كل القضايا الرئيسة الموضوعة على جدول الأعمال. وبعد ذلك، أي في اليوم الثالث، يعود المؤتمر للانعقاد ليتخذ القرارات في المسائل التي تم التوافق عليها، ومتابعة نقاش المسائل الأخرى وإقرارها.
ساعدت هذه الآلية المبدعة على تجاوز خلافات حادة كان لها أن تعرقل سير أعمال المؤتمر بالسلاسة المرجوة. وهكذا تم التوافق على الدلائل المتعلقة بأفضل التقنيات المتاحة وأفضل الممارسات البيئية، وكذلك ما يتعلق بالجردات الوطنية وتحديثها. وكذلك في مسائل المواقع الملوثة ودلائل الانبعاثات في الجو والإطلاقات في التربة والمياه والبحر، وتسمية لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاقية والامتثال لها. وكانت عقدة الآلية المالية من أصعب المسائل التي ناقشها المؤتمر.
كان الجزء الرسمي رفيع المستوى أيضا حيويا، حيث شهد مشاركة العديد من وزارء البيئة من دول مختلفة، وممثلين رسميين رفيعي المستوى، حيث أدلوا بخطابات حملت الكثير من الجدية والالتزام بتطبيق الاتفاقية بكل أبعادها.
وأقر المؤتمر أيضا، أن تكون سويسرا مركزا لسكرتارية الاتفاقية بدعم مالي من حكومتها، لمدة سنة، حيث سيعاد مناقشة مركز الاتفاقية في المؤتمر الثاني القادم، الذي تقرر عقده في أواخر السنة القادمة.
على هوامش المؤتمر، كان هناك العديد من الأنشطة والمعارض والمنشورات، المتعلقة بالتخلص من استعمال الزئبق في العديد من المنتجات، ومجالات الاستعمالات الأخرى، وفي مقدمتها مسألة بدائل الزئبق في ملغم حشوة الأسنان، وكذلك إدارة استخدام الزئبق في التعدين الحرفي للذهب وتنظيمه، حيث أن هذا القطاع هو الأكثر تلويثا والأكثر تهديدا على صحة العاملين فيه. هذا القطاع من أكبر الأنشطة في إفريقيا وأميركا اللاتنية وبلدان شرق آسيا والمحيط الهادي ووسط آسيا.
كانت أكثر الجلسات غنى بالمشاعر الإنسانية، والأكثر تأثيرا على كل المندوبين في المؤتمر، جلسة حضور “شينوبو ساكاموتو” Shinobu Sakamoto، وإلقائها كلمة مؤثرة جدا أبكت جميع الحاضرين. و”شينوبو” هي الشاهد والنموذج الحي الوحيد، الباقي على قيد الحياة لمأساة تسمم “ميناماتا” في العام 1956. كانت “شينوبو” جنينا في رحم أمها، يوم تعرض الأم للتسمم بالزئبق في حادثة “ميناماتا”. رحل جميع الذين أصيبوا يومها، وبقيت “شينوبو”، التي حملت المرض وهي في رحم أمها، وهي حالة غاية في التأثير لمرض عصبي، يفقد معه الإنسان القدرة على التحكم الحركي والنطقي بشكل ثقيل جدا. دعت “شينوبو” العالم للتخلص من الزئبق، لأن خطر “ميناماتا” لا يزال حاضرا.
إن اتفاقية “ميناماتا” ليست فقط اتفاقية من أجل حماية البيئة وصحة الإنسان، بل هي أيضا وبامتياز اتفاقية من أجل التنمية المستدامة.