جاء تعيين وزير دولة لشؤون مكافحة الفساد في الحكومة العتيدة، بمثابة إقرار واضح وصريح بأن الفساد سمة من سمات الدولة ومؤسساتها، وتوجه راسخ في بنية النظام ومتجذر في مرافقنا العامة، بمعنى أن الفساد لم يكن – منذ قيام الدولة 1943 – مجرد “شبهة”، مع إستثناءات، خصوصاً في الفترة الشهابية، يوم حاول الرئيس الراحل فؤاد شهاب مأسسة الدولة، بعيدا من أصنام الطوائف.
ولا يمكن تحميل مسؤولية وتبعات الفساد لصغار المسؤولين، على قاعدة المقولة الشعبية المعروفة أن “الثلم الأعوج من الثور الكبير”، ولا نتقصد تجريحا بأحد، لكن ليس ثمة ما يعبر عن واقعنا أكثر من مضمون هذا المثل العامي، وإلا ما معنى أن تعجز الدولة عن إيجاد حل نهائي لمضخة الصرف الصحي على مقربة من مرفأ الجية، وما سبب تعطلها بعد كل عملية تصليح؟ ومن يتحمل مسؤولية هدر العالم؟ وتاليا أين وزير الدولة لشؤون الفساد؟
الثلم الأعوج
الإجابة عن هذه الأسئلة نضعها برسم المسؤولين، بدءا من وزارة الطاقة والمياه وصولا إلى “مجلس الإنماء والإعمار”، والأخير هو “الثلم الأعوج” المحمي من المتمسكين بامتيازاته من كل الطوائف، يتقاسمون كعكة التلزيمات بأغلى الأسعار وأدنى المعايير الفنية ما يوسع دائرة المكاسب التي تصب في جيوب الناظمين لعمل المجلس إياه، ولم يعد خافيا على أحد آلية عمل “مجلس الإنماء والإعمار” وممن يتلقى تعليماته.
وفي هذا السياق، لم يمض وقت طويل حتى عادت وتعطلت المضخة عينها، ولتغرق المنطقة القريبة من مرفأ الجية وميناء الصيادين بالمياه الآسنة، وتحاصر الأهالي والمارة بالصرف الصحي، دون أن يرف جفن لمسؤول، وكأن قدرنا أن يتحكم بحياة وصحة الأهالي بضعة موظفين.
تلويث البحر
قبل شهرين تابعنا في greenarea.info هذه القضية، وكنا صوت أهالي هذه المنطقة القريبة من مرفأ الجية وميناء الصيادين، وناشدوا “الوزارات والسلطات المعنية التحرك لوضع حد للتلوث والأضرار الناجمة عن تعطل مضخة جر مياه الصرف الصحي على الطريق العام عند مدخل ميناء الصيادين”.
وذكر الاهالي يومها أنه هناك ثلاث مضخات أخرى بديلة معطلة في نفس الوقت، وبعد أن اغرقت المنطقة لحوالي أسبوعين تحركت مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان وأصلحت العطل وعلمنا يومها ان العمل تم بطريقة “الترقيع”، وأن المشكلة لم تعالج من جذورها. وتوقع الجميع تعطل المضخة واستمرار مسلسل المعاناة نفسه، وهذا ما حصل مع عودة الأعطال بعد أن هطلت الأمطار وتوقفت المضخة الموضوعة أصلا على “ريغار” لمجرور يمرّ في المنطقة ويصب عند محطة التكرير بالقرب من معمل الجية الحراري، الأمر الذي تسبب بانتشار الروائح الكريهة في المنطقة وتسرب مياه الصرف الصحي إلى داخل الميناء، ما هدد بإلحاق الأضرار بمراكب الصيادين وقطع أرزاقهم، فضلا عن تلويث البحر والمنطقة المحيطة بالميناء، بعض الأهالي استاء قائلا أنه “ما إن يتم إصلاح مضخة حتى تتعطل ثانية”.
كجك: الأعطال تتكرر باستمرار
نقيب الصيادين في الجية محمد كجك، قال أنه “لليوم الثالث على التوالي والمنطقة غارقة بالمجاري على الرغم من المراجعات العديدة لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، إلا أنها لم تبادر حتى الآن إلى حل المشكلة من جذورها، وهي تتفاقم بشكل كبير وخطير، حتى أنهم لا يجيبون على الهاتف”.
وأشار إلى أن “المنطقة تتكبّد الكثير جراء التلوث الذي يحاصرها من المعمل الحراري الذي ينبعث منه الدخان الأسود باستمرار، والنفايات المنتشرة في المكبات العشوائية المحيطة القريبة من الأوتوستراد، والآن المياه الآسنة وهي تنشر الروائح الكريهة وبدأت تتحول مصدرا للأمراض والأوبئة”.
وقال كجك: “هذا المجرور تصله المياه الآسنة عبر أنابيب من عين الحوض، البرجين، بعاصير برجا وغيرها، ومن المفترض وصله بمحطة التكرير في الجية التي لم تعمل بعد”. وأكد أن “الأعطال تتكرر باستمرار بسبب عدم قدرة المضخة على استيعاب الكميات الآتية من المياه الآسنة، وفي كل مرة نتوجه الى البلدية وتؤكد بأن لا علاقة لها بهذا الموضوع، علما بأنها السلطة التنفيذية وتقع على عاتقها مسؤوليات لجهة التبليغ ومطالبة الجهات المختصة بإصلاح الاضرار”.
القزي: لن نسكت بعد الآن
أما رئيس بلدية الجية جورج القزي، فقال لـ greenarea.info أن “ما هو حاصل هو نتيجة وضع موظفين غير كفوئين بمناصبهم”، لافتا إلى أن “هذه المشكلة هي من إختصاص وصلاحية مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، إلا أننا كبلدية وإن كنا قد سكتنا سابقاً لكي لا نحمل المنطقة وزر ضرب موسمها السياحي، فلن نسكت ولن نقبل بعد الآن إلا بمعالجة هذا الوضع من جذوره”.
وأكد القزي: “لذلك طلبنا ان نجتمع مع رئيس مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان وسوف نكون حاسمين بالمطالبة في معالجة هذا الوضع غير المقبول”.