دعا خبير أممي مستقل، في تقرير جديد رفع الى الأمم المتحدة اليوم، صندوق النقد الدولي إلى إعطاء الدول الحيِّز الكافي على مستوى السياسات العامة، بحيث تتمكن من الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وبدلاً من فرض شروط الإقراض التي تُضعِف القطاع العام وتحثُّ على خفض الإنفاق الاجتماعي، ينبغي تشجيع الدول على خفض النفقات العسكرية، وتنسيق جهودها لمنع التهرب الضريبي والفساد ونقل الأرباح، والتوصل إلى توافق عالمي بشأن إعادة هيكلة الديون السيادية.
وفي تقرير هو الثاني من نوعه هذا العام، أحال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى الجمعية العامة تقرير الخبير المستقل المعني بإقامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف، ألفريد موريس دي زاياس، الذي يبحث في أثر شروط الإقراض لدى صندوق النقد الدولي على التنمية وحقوق الإنسان.
وكان موقع greenarea.info قد عرض تقرير زاياس المقدَّم إلى مجلس حقوق الإنسان، والذي ركز على البنك الدولي راجع https://greenarea.com.lb/ar/234343 .
وخصص الخبير هذا التقرير لتحليل آثار سياسات البنك الدولي على حقوق الانسان، والآليات المعتمدة لمعالجتها بما في ذلك فريق التفتيش وأمين المظالم. في حين يركز التقرير الجديد على صندوق النقد الدولي، وبشكل خاص على شروط الاقراض التي يفرضها الصندوق.
ويرى الخبير ان صندوق النقد الدولي، ينبغي ان يضمن ان لا تلحق ممارسات الاقراض، ولا سيما الشروط، الضرر بالاقتصادات المتقدمة النمو أو النامية، وألا تتعارض مع معايير حقوق الانسان الراسخة، بطرق منها خصخصة الخدمات الحكومية والغاء الضوابط التنظيمية للاسواق، واجراءات التقشف التي أدت حسب الوقائع الى انتشار البطالة والبؤس.
ويشير التقرير الى المسؤولية المشتركة التي تتحملها المؤسسات المالية في إضعاف الدولة بفرض برامج التكيف الهيكلي، لا سيما في البلدان المثقلة بالديون، مثل اليونان والارجنتين وتونس، ورغم ان التقرير لم يقدم امثلة حول لبنان، إلا انه من اكثر الدول التي ينطبق عليها التوصيف الوارد في التقرير.
ولا يدعي التقرير بانه سيأتي بافضل مما اتت به ناعومي كلاين في كتابها “عقيدة الصدمة“، او يتجاوز أعمال مثل جوزيف ستيغليتز، وتوماس بيكيتي، وجفري ساكس، وبول كروغمان، وداني رودريك، ووليام فان غينونغتن، وغراهام بيرد ودين رولاندز.
وتركز كلاين في كتابها على مشكلة أساسية هي العلاج بالصدمة الاقتصادية والانتهازية في الازمات. وتصف كيف فرضت نظرية “الخصخصة أو الموت” على بلدان منكوبة بالازمات، مشيرة الى أن وزارة الخزانة الاميركية وصندوق النقد الدولي ازدادا صرامة في التسعينات في المطالبة بالخصخصة الفورية. وتصف كلاين “أزمة التكيلا” في المكسيك وعمليات خصخصة “الغرب المتوحش” في الارجنتين في عهد كارلوس منعم، وبوليفيا في عهد غونسالو سانشيس دي لوسادا، والاتحاد الروسي في عهد بوريس يلتسن، وما خلفته من آثار مدمرة على حقوق الانسان.
ويتناول التقرير الحالة الراهنة بغية التوصل الى توصيات عملية والتوفيق بين مؤسسات بريتون وودز ونظام معاهدات حقوق الانسان الدولية، الذي لا يقتصر تطبيقه على الدول بل شمل ايضاً المنظمات الحكومية الدولية، والشركات عبر الوطنية. وفي زمن العولمة الحديث، لا يمكن لاحد ان يختار الخروج على ما يمكن تسميته بالقانون الدولي العرفي لحقوق الانسان.
ويشدد التقرير على أن دعوة صندوق النقد الدولي للتكييف الهيكلي قد عززت مصالح الشركات القوية ووضعت البلدان المقترضة في حلقة مفرغة من التبعية.
وفي فقرة بعنوان “الخطب الرنانة والواقع” يقول الخبير المستقل أن صندوق النقد الدولي بذل جهداً كبيراً لتلميع صورته وليظهر انه يأخذ بالانتقادات المتعددة التي تناولت ممارساته. ولكن السؤال لا يزال مطروحاً حول ما إذا اصلحت هذه المؤسسة نفسها فعلاً، وما إذا باتت تحرص على حماية الانفاق الاجتماعي إعطاء الاولوية للصحة والتعليم في الممارسة العملية. ويقدم التقرير ثلاثة أمثلة حول البلدان التي تشهد أزمات مرتبطة بالاقتراض من صندوق النقد الدولي وهي اليونان والارجنتين وتونس.
وينتقد “مركز اوروبا– العالم الثالث” صندوق النقد الدولي على تسهيل أعمال النهب في اليونان عن طريقة الخصخصة وتدابير التقشف المناوئة للمجتمع، ويؤيد الاستنتاجات الواردة في التقرير الاولي للجنة تقصي حقائق الدين العام في اليونان. أما في تونس فيقول الاتحاد الدولي لنقابات العمال أن صندوق النقد الدولي يدفع تونس نحو حافة كارثة إقتصادية وسياسية برفضه الافراج عن الاموال ، بينما تونس بأمس الحاجة الى الدعم الدولي، حيث يربط الصندوق بين دفع ٢.٨ مليار دولار الى الحكومة بعد ان تسرح أعداد كبيرة من الموظفين في القطاع العام، وبيع الاصول الحكومية وخفض المعاشات التقاعدية، وبيع حصص الدولة في ثلاثة مصارف هي ملك الدولة، والغاء اكثر من عشرة آلاف وظيفة في القطاع العام.
ويخلص التقرير الى أنه خلافاً للبنك الدولي، الذي يدرك على نحو متزايد المخاطر والاثار المترتبة على أنشطته والذي يتعهد بالتحقيق واتخاذ الاجراءات، لا يزال صندوق النقد الدولي اكثر تمسكا بالنموذج الاقتصادي لليبرالية الجديدة، الذي بات لا يصلح للزمن الحاضر. ويوصي التقرير بضرورة مراجعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نظامهما الاساسي، وان يكتشفا دعوتهما الجديدة في تحفيز التنمية واحترام حقوق الانسان باعتماد ممارسات “ذكية” في الاقراض، تعود بالنفع ليس فقط على المصارف والمضاربين ، بل أيضاً على مليارات البشر. كما يوصي التقرير بضرورة ان يعتمد صندوق النقد الدولي مجموعة جديدة من الشروط حين يوافق على القروض بما في ذلك تجميد النفقات العسكرية طوال مدة القرض، واعتماد تشريعات وطنية تكفل تسديد الشركات الوطنية وعبر الوطنية لديونها وتحظر نقل الارباح وتحرم الملاذات الضربية. واعتماد تشريعات تكرس القاعدة العامة لمكافحة التهرب الضريبي بهدف معالجة الهواجس المرتبطة بتآكل الوعاء الضريبي ونقل الارباح، اضافة الى اعتماد تشريعات تفرض غرامات على الاشخاص والشركات التي تتهرب من الضرائب، وارغام المواطنين الذين يخفون الاموال في الخارج على اعادة ثروتهم الى وطنهم في غضون فترة زمنية محددة، تحت طائلة العقوبات الجزائية، واعتماد تشريعات لمنع الفساد والرشوة، وآليات فعالة للرصد، وسن قوانين الضريبة على المعاملات المالية، والحصول على ضمانات من المقترضين بعدم إستخدام أي جزء من أي قرض لتلبية مطالبات الصناديق الانتهازية او الدائنين الممتنعين.