تفرض علينا الحياة التكيف مع متغيرات غير متوقعة، ويبدو أن العولمة لم تفرض حضورها في تقريب المسافة بين مختلف الثقافات في العالم فحسب، ذلك أن ثمة “عولمة بيولوجية”، متمثلة في وصول كائنات بحرية من أصقاع بعيدة، لتصبح جزءا من النظم الإيكولوجية في بحرنا اللبناني والمتوسطي، فإذا كان الإنسان قد طور وسائط الاتصال الحديثة حتى بات العالم أشبه ما يكون بـ “قرية كونية”، فهو تدخل أيضا (سلبا وإيجابا) في فتح البحار على بعضها البعض، ولذلك بتنا نشاهد، ومنذ أمد بعيد غزو كائنات غريبة عن بحرنا، استوطنت وفرضت حضورها على المنظومة البحر البيئية، في ما نطلقه عليه اليوم “لأنواع الغازية” أو “المجتاجة”.

 

سمكة الفراشة

 

في تحقيقات سابقة عرضنا لأنواع عديدة من الكائنات والأسماك الغازية، ومن بينها “سمكة الفراشة” المعروفة أيضا بـ “سمكة الأسد”، لا بل وثقنا أيضا لأول إصابة تسببت بها وطاولت صيادا اضطر لتلقي العلاج في المستشفى.

وكما هو الحال مع كل جديد وافد، بدأت تتغير النظرة حيال “سمكة الفراشة” فالصيادون والسباحون أصبحوا أكثر حذرا، وعلى دراية في كيفية التعاطي معها، لا بل أبعد من ذلك، لقد تمكن اللبنانيون من الإفادة من تجارب شعوب عدة، تعتبر هذه السمكة مكونا أساسيا في غذائهم، كما باقي الأنوع، وتأكد بعض من خاضوا هذه المغامرة أنها شهية ولذيذة وتستحق عناء إعدادها كوجبة طعام، وإن اقتصى الأمر القليل من الحذر.

 

لذيذة ولحمها غير سام

 

ومن هنا لا بد من أن نضع الخوف جانبا، وتاليا ماذا يمنع من تناولها طالما أنها طيبة الطعم، بغض النظر عن “سمعتها السيئة”، خصوصا بعد أن غزت “سمكة الفراشة” المتوسط وبحر لبنان عبر قناة السويس واستوطنت بحرنا، وراحت تنتشر بسرعة حتى أدخلت الخوف في قلوب اللبنانيين من رواد البحر عامة والصيادين، وذاع صيتها كسمكة سامة، تعيش طويلا وتتغذى على الاسماك وبيوضها تشكل خطرا داهما على مستقبل الثروة السمكية، بالتزامن مع المخاطر الكبيرة التي تتهدد بحرنا جراء انتشارها، لا سيما وأن لسعتها خطيرة فزعانفها تحمل بروتينا ساما لا يتخطاه المصاب بدون علاج فوري وسريع.

قد يفكر البعض “كل هيدا وبدي آكلها! شو بدي بهالشغلة”، لكن علينا بشكل أو آخر أن نتخلص منها بصيدها والحد من أعدادها، وبما انها لذيذة ولحمها غير سام فما المانع أصلا من اصطيادها وتناولها؟

ليس هذا بالأمر الصعب، ولكن على الصياد أن يكون حذرا بعض الشيء في طريقة التقاطها وتنظيفها، وبذلك يكون قد ساهم في إيجاد حل لمشكلة، باستخراجها من البحر والإستفادة من بيعها ولو بسعر منخفض ومجهود أكبر، علما أنه كان على الدولة أن تقوم بتقديم حلول وبدائل لمجتمع الصيادين، ولكنها لم تنأَ بنفسها عن هذا الأمر فحسب، بل تقاعست بالقيام بدورها في حماية البحر من مختلف التعديات وأخطرها، بدءا من التلوث النفطي ومياه الصرف الصحي وصولا لردمه بمكبات النفايات المستحدثة، فيما دول أخرى تجهد لحماية مجتمع الصيادين وتقدم لهم ضمانات لعيش لكريم، وفي هذا المجال، أقدمت دول عدة على تنظيم مباريات صيد لهذا النوع من الأسماك بهدف تشجيع الصيادين على التخلص منها.

 

فري دايف ليبانون

 

وفي لبنان بدأنا نشهد دعوات من الغواصين والصيادين لصيدها، علما أن خبير الأحياء البحرية في الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش، كان قد نشر دراسات عدة عن هذه السمكة، ودعا عبر موقعنا greenarea.info وصفحته في فيسبوكSea Lebanon إلى الإقدام على تناولها، وقد أوضح مرارا بأن لحمها غير سام ولذيذ.

منذ فترة لفتت انتباهنا حملة تشجيعية أطلقتها مجموعة “فري دايف ليبانون” ضمن جملة نشاطاتها التي تتضمن التدريب على الغوص والتوعية على الأمور البيئية، ومنها حث الصيادين والغطاسين على اصطياد هذه السمكة تمهيدا لتقديمها في أحد مطاعم طرابلس.

تابعنا هذا الأمر بهدف تشجيع الفكرة وتعميمها على مختلف المناطق، وفي هذا الشأن كان لنا حديث مع رئيس المجموعة الغواص رشيد ذوق، فقال لـ greenarea.info: “كنت قد اقترحت منذ العام 2015 بتنظيم مباريات صيد من خلال التنسيق مع وزارة الزراعة، والآن أعمل جاهدا على تشجيع الصيادين على اصطيادها في طرابلس، خصوصا وأن الخبراء كانوا قد أكدوا أن لحمها غير سام، فقمت بالتواصل مع محلات الشيخ  لبيع معدات الصيد، ونسقنا لخوض الحملة سويا”.

وأضاف: “قمنا في (فري دايف ليبانون) بدور توعوي وتوجيهي، فيما تكفلت محلات الشيخ  كلفة العدد اللازمة لصيد الفراشة، وجهزنا عبوة خاصة توضع فيها السمكة دون ان تعرض الصياد أو الغواص لخطر الاحتكاك بها، وقمنا بخطوة تجريبية بحيث دعونا الاصدقاء والمعارف والصيادين على العشاء لتذوق الوجبة الجديدة، وهذا ما ساعد في رفع نسبة الاقبال على صيدها بهدف طهيها واكلها”.

وقال ذوق: “إن إقبال الناس ما زال خفيفا بعكس إقبال الصيادين المتحمسين لتذوقها، وقد أجمع كل من تذوقها بأنها لذيذة”، لافتا إلى أن “سعرها مقبول للجميع اذ يتراوح ما بين الـ 5000 و 10000 ليرة لبنانية للكيلو الواحد، وأهم من السعر ان هذه الخطوة ستخلص الجميع من هم وجودها في البحر، وستؤمن مردودا مقبولا للصياد مقبول والمستهلك”.

واعتبر أن “الفراشة سمك لذيذ بسعر رخيص”، وختم ذوق: “لدينا مشروع كامل يخص البيئة البحرية، ونحن بصدد الإعداد له والعمل عليه، وبخصوص السمكة كنا قد زرنا مطعم (محرمجي) وعرضنا عليه الفكرة وتذوق السمكة واحبها، ونحن في صدد التباحث لشرائها منا لاحقا لتقديمها للزبائن”.

 

غطاس وصياد

 

الغواص رشيد محمد عصافيري أشار لـ greenarea.info إلى أن “هذه السمكة عبارة عن كتلة أشواك سامة وهي بالتأكيد خطيرة ومخيفة”، لافتا إلى أنه اصطادها بواسطة بارودة الصيد مع سهم طويل أو رمح بدون فلاش، قائلا: “عندما أجد مجموعة من هذا النوع أطلق عليها الرمح وأجمعها به واصعد بها إلى المركب”،.

وأضاف عصافيري: “بحسب قناعاتي أنا أقوم بحماية البحر والثروة السمكية من خلال اصطيادها، ونصيحتي للصيادين بأن يكثفوا عملية صيدها لأنها مضرة للبيئة البحرية والاحتكاك بها يعرضنا لخطر السم الموجود في زعانفها”.

الصياد فيصل حبيب طاووقجي تحدث لـ greenarea.info عن “تأثير السمكة السلبي على الصياد وانتشارها المخيف ولسعتها السامة التي أصيب العديد من الصيادين بها، ما استدعى دخولهم المستشفى وعلاج طويل، فضلا عن الألم الذي تسببه”.

وأضاف طاووقجي: لهذه الأسباب علينا أن ننتزعها من بحرنا، ومن الجيد والمفيد انه باستطاعتنا بعد قص زعانفها والتخلص منها بواسطة الغلي او الحرق أن نستفيد من لحمها وهذا هو الوجه الايجابي الذي يفيدنا كصيادين”.

 

 

 

 

5_exposure
3_exposure
1 (15)

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This