يشتهر طائر نقار الخشب السوري انه يتحدى الجاذبية عندما ينقر في جذوع الأشجار العمودية. لكن هذا الطائر المصنف منقرض في لبنان منذ العام 1974، امامه مهمة من نوع جديد بعد ان اطلقت جمعية حماية الطبيعة في لبنان ثلاثة فروخ مهجنة من هذا الطائر، في منطقة صغار في قضاء البترون، على امل اندماجها في الطبيعة مجدداً.
في العام 1995 استطاع عالم الطيور غسان رمضان جرادي، من توثيق نقار الخشب في منطقتي القموعة وفنيدق في شمال لبنان. وما بين الاعوام 1996 و 2005 تم توثيق هذا الطائر في اعشاشه في جبال حرمون وتحديداً فوق عميق والقرعون. كما تم تسجيل اعداد متفرقة من هذه الطيور في عميق وفي وادي نهر الليطاني. وبالاجمال سجل رؤية هذا الطائر في عميق، ارز الشوف، بشري، بيروت، دير الاحمر، جبل الريحان، وادي الليطاني، القوعة، وتعنايل.
وما بين الاعوام 2008 و 2017 تراجعت اعداد طائر نقار الخشب ولم يعد يوثق تسجيلها خلال رحلات مراقبة الطيور التي قام بها البروفيسور غسان جرادي، خصوصاً في المناطق التي سجل وجود الطائر فيها سابقاً وتحديداً السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية. ويقول جرادي في دراسة علمية اصدرها بالتعاون مع مدير جمعية حماية الطبيعة في لبنان اسعد سرحال، ان نسبة تراجع اعداد هذا الطائر وصلت الى حدود الـ 18 بالمئة، وباتت مصنفة في قائمة الطيور المهددة بالانقراض ضمن القائمة الوطنية الحمراء للطيور. ولعل الصيد العشوائي هو ابرز اسباب تراجع اعداد هذه الطيور، اضافة الى التعامل معها بشكل جائر من قبل مربي النحل رغم انها لا تؤثر على النحل نهائياً، كما ان التوسع العمراني وقطع الاشجار ساهم في تراجع اعدادها. وفي السنوات الماضية تفاقمت عمليات التقاط فروخ نقار الخشب من اعشاشها، بغرض بيعها في محال بيع الطيور والحيوانات الأليفة.
ويتراوح طول نقار الخشب السوري بين 23-25 سم ويصل وزنه الى 70 غرام. أعلى رأس الذكر ذو لون أسود لامع، ببقعة قرمزية اللون على مؤخرة العنق وبقعتين بيضاوتين على جانبي الرأس والعنق. على الكتفين يوجد بقعة بيضاء كبيرة وريش الجناحين ذو لونين أبيض وأسود. الأجزاء السفلية من الجسد ذات لون أبيض كالكتفين ومنطقة ما تحت الذيل ذات لون قرمزي أيضاً. يتم التميز بين الأنثى والذكر عن طريق البقعة القرمزية على مؤخرة الرأس حيث لا يملكها سوى الذكر. ويعلن نقار الخشب السوري وجوده بالنقر على جذوع الأشجار أو فروعها. تسمع هذه النقرات على بعد مسافات طويلة بناءً على الرياح وحالة ونوع الخشب المنقور عليه. ويتكون نظام نقار الخشب الغذائي أساساً من الحشرات التي تختبأ في ثقوب أشجار الغابات، مثل يراق العث ويراق الخنافس، وقد يتناول الحبوب والعوزة والمكسرات عند ندرةً الحشرات.
يتنقّل نقار الخشب بين أعلى جذوع الأشجار وأسفلها، ناقراً لحاء الأشجار متنصّتاً لسماع حركة الفريسة (الديدان داخل الأغصان). وعندما يحدّد مكان الحشرة، فإنه يطرق الجذع بمنقاره القوي، لكي يصل إليها، ثم يسحبها بلسانه الطويل.
اثناء التزواج يفتح حفرة مستديرة قطرها حوالي 5 سم في جذوع الأشجار، ومن ثم يتم الحفر طولياً لبضع سنتيمترات ومن ثم الحفر إلى أسفل عمودياً وبعدها يتم عمل ما يشبه الغرفة الصغير في نهاية العش. يوضع البيض في هذه الغرفة وتصل الى حوالي 11 بيضة. ونادراً ما يتم إعادة إستخدام هذا العش.
لكن ما هي قصة الفروخ التي اطلقت في مزرعة بيولاند في صغار قضاء البترون؟ وكيف وصلت الى هناك قبل ان يتم اطلاقها؟ يروي سرحال ان هذه الطيور تم انقاذها من احد متاجر الطيور من قبل عضو جمعية حماية الطبيعة المحامي هادي موسى، وكان عددها ثلاثة ، ذكران وانثى. ولقد تبنت والدته هذه الطيور وخصصت لها ثلاث ساعات صباحاً وثلاث ساعات مساءاً لاطعامها. ويعد اطعام صغار نقار الخشب امراً بالغ الصعوبة والدقة. ويروي موسى كيف ان والدته استخدمت ادوات التلقيم واختارت الطعام بعناية فائقة لاطعام صغار الطيور التي كانت تطلب الغذاء في البدداية كل عشرين دقيقة، وذلك منذ الساعة السابعة صباحاً لغاية الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، ولاحقاً انخفضت وتيرة طلبها للطعام، حيث باتت تطعمها بعد ان تطلق النداء. كما حرصت أم هادي على توفير نظام للتدفئة معتدل باستخدام مصباح كهربائي، وكانت الطيور تقترب من الضوء عند شعورها بالبرد، ثم تبتعد عندما تشعر بالدفئ، كما حرصت على قياس الحرارة بين فترة واخرى لضمان عدم اصابتها بالجفاف، اضافة الى حرصها على نظافة القفص لضمان سلامتها.
في اواخر شهر اب الماضي، اختارت جميعة حماية الطبيعة في لبنان ، موعد اطلاق “خارطة الطريق” للصيد المسؤول والمستدام في لبنان، وطلبت من المساعدة الخاصة لرئيس الجمهوري، كلودين عون روكز، ان تطلق الطيور اثناء رعايتها للمناسبة. حرص فريق يضم اعضاء من بيولاند وجمعية حماية الطبيعة في لبنان على مراقبة الطيور بعد اطلاقها. ولوحظ انها كانت تعود يومياً الى القفص الذي كانت فيه، حيث ترك لها الطعام، ولاحقاً انخفضت وتيرة عودتها الى القفص، ما يؤشر على بدء تكييفها مع الطبيعة. ولقد استطاع البروفيسور جرادي ان يلتقط عدة صورة لانثى نقار الخشب التي اتخذت من احدى جذوع الزيتون بيتاً لها. ويأمل جرادي ان تتمكن هذه الانثى من جذب ذكور جديدة الى المنطقة التي تتواجد فيها على امل ان تتزاوج في ربيع العام 2018. وعادة ما تستخدم انثى نقار الخشب عملية النقر الإيقاعي – عملية النقر بشكل سريع لجذب الشركاء وتحديد المنطقة – على سطوح رنّانة كالأشجار المجوفة والتي تسمح بضوضاء أعلى مع تجنب الآثار القاسية.
وينطوي تزاوج نقار الخشب على الفاظ و طقوس مثل الطبل، والتغريدات الطويلة والقصيرة، وكذلك له صوت او نداء أجش يظهر العدوانية. و يبدأ تجهيز العش في آذار، ويلاحظ بسهوله اثناء النهار ويسمع من بعيد بسبب صوت النقر على الخشب. بعد شهر واحد من العمل الدؤوب يصبح العش جاهزا بمدخل فردي و مستدير بقطر 4.5 سم و الذي يؤدي من خلال نفق عمودي بعمق 40 سم الى غرفه كبيره. في النصف الثاني من شهر نيسان يتم التزاوج ووضع البيض. فترة الحضانة ليست سوى 11 يوما بسبب سوء ظروف العش، ومع ذلك، يتم تغذية الفراخ الصغيرة لمدة 26 يوما أخرى. كما تتم إزالة فضلات الفراخ الصغيرة من العش لمنع الغازات الضارة من التراكم في العش و تغيير الأوكسجين.