اعلن المقـرِّر الخاص لمجلس حقوق الإنسان المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، دافيـد كاي، ان الأمم المتحدة لا تملك سياسة خاصة بالحصول على المعلومات تنطبق على كل إدارة ووكالة متخصصة؛ وليس لديها حتى معايير مخصصة لتقديم رد على طلبات الحصول على المعلومات. وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لمؤسسة سياسية مركزية على الصعيد العالمي، تخدم الصالح العام في شتى المواضيع.
واضاف كاي خلال عرضه تقريراً جديداً امام الجمعية العامة للأمم المتحدة “الأمم المتحدة ليست الوحيدة في هذا. فعلى الرغم من الأخذ بسياسات حرية الإعلام في جميع أنحاء العالم، فإن المنظمات الدولية، مع استثناءات محددة قليلة، لم تسر على نفس المنوال.
ويقدم هذا التقرير تقييما لحالة الحصول على المعلومات فيما يتصل بأنشطة المنظمات الدولية. ويحث التقرير جميع المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، على اعتماد سياسات متينة لحرية الإعلام، مع تقديم توصيات محددة للمنظمات والدول الأعضاء والمجتمع المدني”.
ومعلوم ان البرلمان اللبناني اقر قبل اشهر قانون الحق في الوصول الى المعلومات، لكن هذا القانون لا يزال صعب التطبيق، ولا تقوم السلطات البرلمانية والحكومية والادارية والبلدية بنشر التقارير المتعلقة بالقوانين والقرارات والمقررات والمناقشات الدائرة حولها.
ويقول التقرير ان العديد من الدول تعتمد شريعات لإعمال الحق في الوصول إلى المعلومات، وأَدرج العديد منها الحق في الحصول على المعلومات في قانونه الدستوري. وعلى الصعيد المحلي. بيد أن مناخ السرية والحجب الذي غالبا ما ينزع إلى أن يسود الأجهزة البيروقراطية والقيادات السياسية في جميع أنحاء العالم لا يزال من الصعب القضاء عليه. ويشجع استبعادٌ سائدٌ للمعلومات المتعلقة بالأمن القومي من الأطر القانونية للحق في الحصول على المعلومات نزوعا إلى اعتبار عمليات الإفشاء، حتى تلك الأكثر أهمية للمنفعة العامة والتي ليس لها ضرر ذو بال على المصالح الحكومية، نقيضا ”للمصلحة القومية“. وتمارس هذه المواقف ضغطا سلبيا كبيرا على قوانين الحصول على المعلومات، وقد يكون لها أثر يمتد إلى ما هو أبعد من بيئات الأمن القومي التقليدية. وبإيجاز، على الرغم من تحسن الإطار القانوني للحصول على المعلومات على الصعيد العالمي، لا تزال الحكومة المفتوحة تواجه حواجز كبيرة فيما يتصل بتجاوز المواقف وغرس ممارسات التنفيذ.
وتتسم طرق عمل المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، بانعدام شديد للشفافية لدى معظم الناس. فبصرف النظر عن عمل هيئاتها الأرفع مستوى، فإن ما تقوم به وكيف تقوم به يبقى إلى حد بعيد خفيا عن أعين الجمهور. فكيف يتم، في مثل هذه البيئة، الكشف عن معلومات تحظى باهتمام مشروع لدى الجمهور؟ وكيف تتتبع عامة الجمهور- مواطنين وطلابا وصحفيين وباحثين وبرلمانيين وناشطين، بل وحتى ممثلو الدول الأعضاء – الكيفية التي تشتغل بها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية وكيف يمتثل الموظفون المدنيون الدوليون لالتزاماتهم؟ وأي سياسات، إن وجدت، تُرشد المسؤولين الدوليين إلى تقاسم المعلومات؟ وما هي المعايير الدولية التي يستند إليها المسؤولون الدوليون عند البت فيما إذا كان ينبغي حجب بعض المعلومات؟ وبوجه عام، كيف تكفل المنظمات الحكومية الدولية امتثالها هي لقواعد حقوق الإنسان التي تكفل لكل فرد الحق في التماس وتلقي المعلومات بكل ضروبها، ولا سيما المعلومات التي بحوزة السلطات العامة؟
واورد التقرير حالات لشح المعلومات تهم مجالات حفظ السلام، والإبلاغ عن المخالفات، وادعاءات الغش، والقرارات المتعلقة بالموظفين وتضارب المصالح، ومن شأن إقرار سياسة شاملة لحرية الإعلام في هذه المجالات على صعيد الأمم المتحدة أن يرسخ فهم الجمهور للقضايا العالمية وانخراطه فيها ويعزز آليات المساءلة. ويمكن القول إن انعدام الشفافية والحصول على المعلومات بشكل سليم، له دور في عدم مساءلة حفظة السلام المتهمين بالاعتداء الجنسي.
ومن الواضح أنه لا توجد عملية رسمية يمكن وفقا لها أن يقوم فرد من الجمهور، ناهيك عن مقرر خاص، بالتماس مثل هذه المعلومات من الأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، حتى لو كانت منظمة حكومية دولية تملك مبررا وجيها لعدم الكشف في حالة معينة، فإن هذه الحجة لا تخضع للاختبار. ولمعالجة هذه النقطة، يتساءل المقرر الخاص عن الكيفية التي يمكن أن تُختبر بها وجاهة القرارات والتحليلات المؤسسية ويُختبر بها صناع القرار عندما يكون من الصعب الحصول على هذه المعلومات؟ ذلك أنه بدلا من عملية رسمية من شأنها أن تمكن من تقديم طلبات الحصول على المعلومات، تقتصر معرفة الجمهور بسياسات وإجراءات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية على ما تختار تلك الهيئات نشره لا غير، في حين يعتمد التقييم الخارجي عادة على جهود الصحفيين أو الباحثين الذين يوجدون إمكانية الوصول إلى المعلومات داخل هذه المنظمات. ويبدو داخل الأمم المتحدة ومعظم المنظمات الحكومية الدولية أنه لا يقع أي التزام على أي مصدر رسمي بتقديم أسباب رفض الكشف عن المعلومات.
ويعد هذا التقرير، الذي يستكشف سياسات حرية الإعلام في سياق المنظمات الدولية، مع التركيز بوجه خاص ولكن ليس حصريا على منظومة الأمم المتحدة، نتيجة عام كامل من البحث والتحقيق، بما في ذلك دعوةٌ إلى تقديم المعلومات وردت عليها ردود من 16 منظمة دولية وخمس من الجهات الفاعلة غير الحكومية. ويُناقش التقرير موضوع الحصول على المعلومات بموجب قانون حقوق الإنسان، ويشير إلى توسع نطاق سياسات حرية الإعلام المعتمدة من الحكومات في جميع أنحاء العالم. كما يقدم العناصر اللازمة لوضع سياسة فعالة لحرية الإعلام على الصعيد الدولي، ومجموعة من التوصيات الموجهة إلى المنظمات الحكومية الدولية والدول الأعضاء والمشاركين من غير الدول في الحوكمة الدولية.
وتعود أصول الحق في الحصول على المعلومات في القانون الدولي إلى المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة ١٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبحسب الصيغة التي ورد بها في العهد، فإن كل إنسان يتمتع بـ ”حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها“. وقدمت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إعلانا صريحا لما ينطوي عليه هذا الحق، مؤكدة أن المادة ١٩ ”تشمل الحق في الاطلاع على المعلومات التي تكون بحوزة الهيئات العامة“. ولاحظت اللجنة أن ”هذه المعلومات“… تتضمن ”السجلات التي تحتفظ بها الهيئة العامة بصرف النظر عن الشكل الذي تحفظ فيه المعلومات ومصدرها وتاريخ إعدادها“.
ويخلص التقرير الى انه على مدى السنوات السبعين الماضية، قامت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية بأدوار أساسية في توسيع نطاق سيادة القانون على الصعيد العالمي. وعلى الرغم من أن هذه المنظمات لم تكن ناجحة دائما، إلا أنها تتيح تنسيق السياسة العامة ووضع قواعد قانونية في مجالات الأمن والتنمية والحوكمة والعديد من المجالات الأخرى، ويُنظر إليها على الدوام من قبل الرأي العام في جميع أنحاء العالم على أنها مؤسسات هامة. وتتمثل الأهداف الأساسية لهذا التقرير في تعزيز تلك المؤسسات، وكفالة أن تحقق المهام التي أنشئت من أجلها، وتعزيز مشاركة الجمهور في أعمالها. ومن شأن وضع سياسات للحصول على المعلومات، بما يتماشى مع الاتجاهات القانونية العالمية لحرية الإعلام، أن ينهض بأهداف المنظمات الحكومية الدولية والدول الأعضاء التي تشكلها.
ويوصي التقرير بضرور ان تفتح المنظمات الدولية أبوابها لمزيد من تدقيق الجمهور ومشاركته إذا أريدَ لها أن تزدهر. ويبدو أن قادتها يدركون هذا، كما يتضح من مواقعها الشبكية الكبيرة، ومكاتب اتصالاتها التي تتسم بالمهنية (وإن كانت تعاني من نقص الموارد)، ومن خلال الحضور العام لعدد كبير من مسؤولي المنظمات الحكومية الدولية في وسائط الإعلام الاجتماعية والمبثوثة والمطبوعة. ولكن بصرف النظر عن مجموعة من الاستثناءات المشار إليها في هذا التقرير، لا يؤدي هذا الإدراك من جهتهم عموما إلى اعتماد سياسات تعزز ممارسة الحق في الحصول على المعلومات وتنظمه. ولا يستعصي سبب هذا كثيرا على الفهم: فربما باستثناء أعمال مجلس الأمن والأمين العام، والاجتماعات الوزارية الرفيعة المستوى واجتماعات رؤساء الدول والحكومات، تُجري المنظمات الحكومية الدولية عملياتها اليومية عموما بعيدا عن عيون وسائط الإعلام، وهو وضع لا يتغير إلا عند وقوع فضيحة أو شطط. ويعني غياب تلك العيون، إلى جانب الضبابية التي توجدها البيروقراطيات الكبيرة والمستعصية على الاختراق، أن المسؤولين لا يشعرون عموما بالضغط لكي ينشروا المعلومات.
وينبغي للمنظمات الحكومية الدولية أن تبذل الجهود الآن من أجل الانفتاح ووضع السياسات والهياكل الأساسية التي لا تقدم جميع ضروب المعلومات فحسب، بل تشجع مثل هذه الطلبات أيضا. وأن ترحب بفرص التصرف بشفافية، حتى وإن كانت الشفافية قد تسبب الإحراج، وأحيانا الفضيحة، إلا أنها تبعث أيضا رسالة تفاهم أوسع مفادها أن معرفة الجمهور أمر بالغ الأهمية، خاصة وأن هذه المؤسسات تخدم مهام عامة حيوية. ولا يكفي مجرد اعتماد سياسات الحصول على المعلومات، إذ يجب أن تكون هذه السياسات صارمة وقائمة على المبادئ، وتستند إلى القبول العالمي الواسع النطاق بأن الحق في الحصول على المعلومات التي بحوزة السلطات العامة حق متأصل في القانون الدولي.