سبع سنين عجاف مرت على سوريا، أثّرت بفظاعةٍ على الوسط البيئي الحيوي، وهددت الحياة البرية كما البحرية المتميزة بغناها. دمّرت الموائل الطبيعية، أُحرقت الغابات ونُهبت المحميات وتآكلت التُرب، تدهورت نوعية المياه وتلوث الهواء، ومخازن الأنواع والأصول الوراثية (مخازن ايكاردا- نموذجاً)..لذلك، فإن التساؤل المشروع هنا والذي يطرح نفسه، هو من سينظّف البيئة السورية، ومن سيعيد الحياة اليها ؟

الغابات والمحميات

فضلاً عن قطع آلاف أشجار البطم والسنديان المعمرة، إضافة إلى السرو والصنوبر من قبل تجار الحطب والفحامون (بلغت المساحات المتضررة من القطع الجائر حوالي  740 هكتاراً)، فقد سبب القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة و القذائف الصاروخية، حرائق فظيعة إلتهمت حوالى نصف كتلة الغابة السورية. وقد حدث أخطرها عام 2015 حيث التهم حريق بطول 12 كم شمال- جنوب وبعرض  8كم، غابات السنديان والصنوبر التي يصل عمرها إلى 100 سنة في قرى سهل الغاب(الحيدرية). أما في غابات اللاذقية فقد بلغ عدد الحرائق عام 2012 وحده  257  حريقاً قضت على  نحو خمسة ملايين شجرة، فيما أدى 45 حريقاً الى فناء حوالي  17 هكتار في الغابات الحرجية في طرطوس عام 2013 ، في حين قضت  104 حرائق خلال عام 2015 على مايقارب 150  هكتار في حمص وريفها .

الجدير ذكره أن الغابات تشكل ما نسبته 2.7 في المائة من مساحة سوريا الكلية، وتقدر مساحتها بـ491 ألف هكتار.

ايكاردا والمحميات…قصة نهب معلنة

سرقت المجموعات الإرهابية مخازن ومكاتب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة”ايكاردا  ICARDA ” في حلب، منذ السنوات الاولى للحرب، راجع مقالتي:

المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا): صراع بين التطوير .. والتدمير

كما لم تسلم المحميات الطبيعية (بلغ عددها أكثر من 40  موقعاً بمساحة كلية 187521 هكتاراً يوجد ما يزيد عن 450 نوعاً نباتياً وحيوانياً) حيث تعرضت الطيور والحيوانات البرية للسرقة والذبح وخاصة الخيول الأصيلة- غزلان الريم — المها العربي (عددها 125 رأساً فقط)— طائر النعام – القطقاط الاجتماعي -النسرالاسمر- طائر أبو منجل.. كما تم إطلاق الحيوانات المفترسة كالدب البني السوري والنمر السوري في الغابات لتواجه خطر الإنقراض من جديد.

ومثلما أدت الغارات الجوية والقصف والمعارك بالقرب من  ” محمية جبل عبد العزيز” في ريف الحسكة الغربي،  إلى قتل أكثر من 500 غزال، كذلك تعرّضت الحوائج النهرية (وهي جزرٌ وسط نهر الفرات، لحياة البرية فيها كانت تتميّز بتنوّعٍ هائلٍ غير مووجودٍ في أيّة بقعةٍ أخرى من سوريا)  في مدينة دير الزور لاعتداءاتٍ كثيرة، حيث قام تجار الحروب بسرقة مجموعاتٌ الخيول العربية الأصيلة وبيعها في السوق السوداء في العراق وتركيا”.

المياه…والكارثة في عين الفيجة

بعد أن أثبتت الفحوصات التي أجريت في مختبرات عالمية، أن ماء نبع الفيجة من أجود المياه على مستوى العالم، والصخور الكلسية التي تختزن هذه المياه بعيدة عن مصادر التلوث بالإضافة إلى خلوّ المياه من الطفيليات والجراثيم. قامت فصائل معارضة في فترة الحرب بتلويث مياه نبع الفيجة “بمادة المازوت”، ونتيجة لذلك جفت معظم بساتين الغوطة المليئة بأشجار الفاكهة المثمرة، كالعنب والرمان والتين والزيتون والمشمش والجوز، ولم تعد اليها الحياة حتى يومنا هذا.

النفايات ستدمر التنوّع البيئ

الكميات الهائلة من النفايات والبقايا، التي ستتركها الحرب، سيكون لها دوراً أساسياً في تدمير الوسط البيئي، فبالإضافة إلى النفايات الصلبة من بقايا القذائف وفوارغ الطلقات، وبقايا عملاقة من صواريخ، مدافع، طائرات وحتى الدبابات، وملايين الأطنان من الحديد والنحاس والألمنيوم وملايين أخرى من الزجاج، الورق، الخشب والبلاستيك و البطاريات ومواد العزل (يمكن أن تحتوي هذه المخلفات على مادة الرصاص، الأسبستوس (الأمينت Asbestos) ومواد خطرة أخرى). هناك أيضاً النفايات السائلة والغازية التي اختلطت بالتراب والماء والهواء، والناتجة عملياً عن إستخدام ألاف الليترات من غاز الكلور (أكثر من عشرة آلاف برميل من الكلور)،  وغاز السارين (تم تدمير نحو 1300 طن مترياً من الأسلحة الكيماوية في سوريا معظمها من غازَيِ الخردل والسارين).أضف اليها نفايات أخرى ناتجة عن سرقة وتفجير معامل الغاز السائل ومحطات الوقود، وتلك التي نتجت عن حرق معامل الأدوية (معامل تاميكو- معامل أوبري).

من سيعيد دورة الحياة الى البيئة في سوريا، هناك كثر يريدون المشاركة في إعادة إعمار المدن، ولكن هل من متبرعين لإعادة اعمار البيئة السورية؟ ألا تستحق البيئة في سوريا خطة عمل دولية ؟

أسئلة برسم صنّاع الحروب والكوارث، من الولايات المتحدة وحلفائها الى الدول الاوربية التي وقّعت جميعها على إتفاقية باريس للمناخ.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This