بعد عام واحد من دخول اتفاق باريس حيز النفاذ، ما زلنا نجد أنفسنا في وضع كارثي. نوايا الولايات المتحدة المعلنة بترك اتفاق باريس في عام 2020، ليست المصيبة الوحيدة، فالحكومات التي لا تزال تتعهد بتطبيق هذا الاتفاقات الذي احتاج لعقد ونصف من التفاوض الدبلوماسي، لا تقوم فيه بما يكفي لإنقاذ مئات الملايين من الناس من مستقبل بائس.
ويقدر خبراء علم تغير المناخ ان الاستثمار في التكنولوجيات الصحيحة، مع ضمان مشاركة القطاع الخاص، يمكن الحكومات من الوفاء بالوعود التي قطعتها، ولكن المطلوب مواصلة العمل الآن، وعدم التوقف مطلقاً عن المطالبة بالمزيد من التعهدات.
يتعهد اتفاق باريس بشان تغير المناخ بتحقيق ثلث الخفض في الانبعاثات المطلوبة لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ. وبحسب تقرير جديد نشر أمس، يمكن أن يؤدي اعتماد تكنولوجيات جديدة في القطاعات الرئيسية، باستثمارات تقل عن 100 دولار أمريكي/ طن، إلى خفض الانبعاثات بما يصل إلى 36 جيغاطن من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول عام 2030، التي تكفي وتزد لسد الفجوة يمكن أن يساعد أيضا كل من تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال، والعمل بشأن الملوثات المناخية قصيرة الأجل، وزيادة طموح مجموعة العشرين في الفترة ما قبل 2020 بشأن تعهدات كانكون، على الحد من آثار المناخ.
وبحسب التقييم الجديد الصادر عن الأمم المتحدة للبيئة فأن الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية في حاجة إلى تحقيق زيادة عاجلة في الطموح لضمان تحقيق أهداف اتفاق باريس.
وتخلص الطبعة الثامنة من تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن الأمم المتحدة، الذي صدر قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في مدينة بون، إلى أن التعهدات الوطنية لا تحقق سوى ثلث تخفيض الانبعاثات المطلوبة بحلول عام 2030 لتحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ، مع عدم تزايد اتخاذ إجراءات من القطاع الخاص والعمل دون الوطني بمعدل يساعد على سد هذه الفجوة المقلقة.
ويتطلع اتفاق باريس إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، مع طرح هدف أكثر طموحا وهو الوصول إلى أقل من 1.5 مئوية. ومن شأن تحقيق هذه الأهداف أن يقلل من احتمال حدوث آثار مناخية حادة يمكن أن تضر بصحة الإنسان وسبل كسب عيشه والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وفي ظل هذا الوضع القائم، فإن التنفيذ الكامل للمساهمات الحالية والمحددة وطنيا غير المشروطة والمشروطة يجعل زيادة درجة الحرارة لما لا يقل عن 3 درجات مئوية بحلول عام 2100 أمرا محتملا – مما يعني أن الحكومات تحتاج إلى تقديم تعهدات أقوى بكثير عند إجراء تنقيحاتها في عام 2020.
غير أن التقرير يورد طرقا عملية لخفض الانبعاثات من خلال اتخاذ إجراءات للتخفيف من الآثار السريعة التي تقوم على الخيارات القائمة في قطاعات الزراعة والمباني والطاقة والغابات والصناعة والنقل.
وقد يسهم أيضا اتخاذ إجراءات قوية بشأن المؤثرات المناخية الأخرى – مثل مركبات الهيدرو فلورو كربون، من خلال تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال، والملوثات المناخية القصيرة الأجل الأخرى مثل الكربون الأسود – إسهاما حقيقيا.
وقد ظلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مستقرة منذ عام 2014، مدفوعة جزئيا بالطاقة المتجددة، وخاصة في الصين والهند. وقد زاد ذلك من آمال أن تصل الانبعاثات إلى الأهداف المطلوبة، إذ يجب عليها أن تظل بحلول عام 2020 على مسار ناجح للمناخ. ومع ذلك، يحذر التقرير من أن غازات الدفيئة الأخرى، مثل غاز الميثان، لا تزال تتزايد، ويمكن لطفرة النمو الاقتصادي العالمي أن تضع بسهولة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى على مسار تصاعدي.
كما يخلص التقرير إلى أن تعهدات باريس الحالية تجعل من المحتمل وصول انبعاثات عام 2030 إلى 11.5 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (COtCO2e) وهو أعلى من المستوى المطلوب للبقاء على المسار الأقل تكلفة لتحقيق هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين. ويعادل واحد جيغا طن تقريبا سنة واحدة من الانبعاثات الناجمة عن قطاع النقل في الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك الطيران).
وتصل فجوة الانبعاثات في حالة هدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية إلى 16 – 19 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو أعلى من التقديرات السابقة حيث أصبحت الدراسات الجديدة متاحة.
الاستثمار في التكنولوجيا هو مفتاح النجاح
لتجنب الذهاب إلى ما وراء أهداف باريس، يتعين على الحكومات (بما في ذلك تحديث تعهداتها في باريس) والقطاع الخاص والمدن وغيرها أن تسعى على وجه الاستعجال إلى اتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى تخفيضات أعمق وأكثر سرعة للانبعاثات.
ويحدد التقرير سبل القيام بذلك، ولا سيما في مجالات الزراعة والمباني والطاقة والغابات والصناعة والنقل. ويمكن لاستثمارات التكنولوجيا في هذه القطاعات – بتكلفة استثمارية تقل عن 100 دولار لكل طن تم تجنبه من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، والتي غالبا ما تكون أقل بكثير – أن توفر ما يصل إلى 36 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول عام 2030.
ويأتي جزء كبير من الإمكانيات عبر قطاعات من استثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والأجهزة الفعالة، وسيارات الركاب الفعالة من حيث الطاقة، والتشجير، ووقف إزالة الغابات. إن التركيز فقط على الإجراءات الموصى بها في هذه المجالات – والتي لديها تكاليف متواضعة أو سلبية – يمكن أن يصل إلى 22 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2030.
وقد تضع هذه الوفورات وحدها العالم بشكل جيد على المسار الصحيح لتصل إلى هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، مع طرح هدف أكثر طموحا وهو الوصول إلى أقل من 1.5 مئوية.
الإجراءات المتخذة من غير الدول
قد تعمل الإجراءات التي تعهدت بها الهيئات من غير الدول ودون الوطنية (مثل المدن والقطاع الخاص) على تقليل فجوة الانبعاثات لعام 2030 بمقدار قليل من جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، حتى مع مراعاة تداخل المساهمات المحددة وطنيا. فعلى سبيل المثال، تعد أكبر 100 شركة في العالم من حيث الانبعاثات مسؤولة عن ربع الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة، مما يدل على وجود مساحة كبيرة لزيادة الطموح بشأن خفض الانبعاثات.
ويهدف تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال إلى التخلص التدريجي من استخدام وإنتاج مركبات الهيدرو فلورو كربون – وهي مواد كيميائية تستخدم في المقام الأول في مكيفات الهواء والتبريد والرغوة العازلة. وإذا ما نفذ تعديل كيغالي بنجاح، فقد يكون الوقت متأخرا لإحداث تأثير في فجوة الانبعاثات لعام 2030، ولكنه يمكن أن يسهم إسهاما حقيقيا في بلوغ أهداف درجات الحرارة على المدى الأبعد.
وبحلول منتصف القرن، يمكن أن يساعد انخفاض الملوثات المناخية القصيرة الأجل، مثل الكربون الأسود والميثان، على الحد من الآثار التي تستند إلى امتصاص الحرارة التراكمي وتساعد على ضمان مسار ثابت ومنخفض لدرجات الحرارة نحو تحقيق أهداف باريس الطويلة الأجل.
وفي حين تسير مجموعة العشرين على المسار الصحيح للوفاء بتعهداتها المناخية في كانكون لعام 2020، فإن هذه التعهدات لا تخلق نقطة انطلاق طموحة بما فيه الكفاية لتحقيق أهداف باريس (انظر التحليل المرفق لتعهدات كانكون). وعلى الرغم من أن عام 2020 قاب قوسين أو أدنى، فإن دول مجموعة العشرين لا تزال قادرة على تنفيذ إجراءات تؤدي إلى خفض الانبعاثات القصيرة الأجل وفتح الطريق لمزيد من التغييرات على مدى العقد التالي.
وقد يعمل تجنب إنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء العاملة بالفحم وتسريع التخلص التدريجي من محطات توليد الكهرباء القائمة – ضمان التعامل الدقيق مع قضايا مثل العمالة ومصالح المستثمرين واستقرار الشبكة – على تحسين الوضع. ويقدر عدد محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم في العالم بنحو 6,683 محطة بقدرة إنتاجية تبلغ 1964 جيغاواط. وإذا ما تم تشغيل هذه المحطات حتى نهاية عمرها الافتراضي وإذا ما لم يتم تعديلها لاحتجاز وتخزين الكربون، فسينبعث منها انبعاثات تراكمية تقدر بنحو 190 جيغاواط من ثاني أكسيد الكربون.
وفي أوائل عام 2017، كان هناك 273 غيغاوات إضافية من الطاقة التي تعمل بالفحم قيد الإنشاء و 570 غيغاواط في مرحلة ما قبل الإنشاء. ويمكن أن تؤدي هذه المحطات الجديدة إلى انبعاثات إضافية متراكمة تبلغ حوالي 150 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون. وتشكل عشرة بلدان نحو 85٪ من خط أنابيب الفحم بالكامل، وهي: الصين والهند وتركيا وإندونيسيا وفيتنام واليابان ومصر وبنغلاديش وباكستان وجمهورية كوريا.
وينظر التقرير أيضا في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي – من خلال التشجير وإعادة التشجير وإدارة الغابات واستعادة الأراضي المتدهورة وتعزيز الكربون في التربة – كخيار للعمل.
وبالإضافة إلى ذلك، يظهر تقرير جديد صدر عن ائتلاف بليون طون في نفس اليوم أن مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة التي يدعمها الشركاء في البلدان النامية يمكن أن تخفض 1.4 مليار جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2020 – شريطة أن يفي المجتمع الدولي بوعده بتعبئة 100 مليار دولار أمريكي سنويا لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار تغير المناخ والحد من انبعاثاتها.