نتيجة الإحتباس الحراري جفّت الأراضي الزراعية، وخسرالريفيون السوريون وبعض أهل المدن مصدر رزقهم، وكذلك فعلت الحرب السورية بالبعض الآخر حيث حرمتهم من الوصول إلى بساتينهم وأراضيهم(الغوطة والجزيرة نموذجاً).
كما اختفت أنواع عديدة من النبات والأشجار والحيوانات من الغابة السورية، جراء التغير المناخي، وحدث ذات الشيء بفعل الحرب الأخيرة التي تعيشها البلد.
كذلك فقد اجتمعت ظروف الحرب الدائرة على الأرض السورية مع عوامل التغير المناخي الأمر الذي أدى إلى إنتشار أمراضٍ جديدة وعودة أمراض كانت قد اختفت من سوريا نهائياً، منذ تسعينيات القرن الماضي( الحصبة وشلل الاطفال)، وتوسع انتشار أمراض أخرى(اللشتمانيا).
فأية علاقة بين الحرب والتغير المناخي؟
نشرت مجلة ” لانسيت” ، نهاية الشهر المنصرم، وبالتعاون مع 24 مؤسسة أكاديمية ومنظمة حكومية دولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية WHO تقييماً مستقلاً للآثار الصحية لتغير المناخ ، بعنوان ” The Lancet Countdown on Health and Climate Change “لانسيت بشأن الصحة وتغير المناخ”. التقييم أو التحليل المنشور، يأخذ في عين الإعتبار أربعون من المؤشرات الأساسية حول العالم، ويخلص التحليل الى أن جميع المنجزات المحققة في مجال الصحة العامة خلال الخمسون عاماً الفائتة، ستكون مهددة في حال استمر التغير المناخي على ماهو عليه.
واستناداً الى تقارير منظمة الصحة العالمية، نشرت صحيفة «اندبندنت The Independent» البريطانية، في نيسان من العام 2016، تقريراً حذرت فيه من وقوع كارثة صحية حقيقة في سورية، وأشار التقرير إلى انتشار أمراض وبائيةٍ في المدن والأرياف السورية، كالتيفوئيد، التهاب الكبد الوبائي والليشمانيا.
وبالفعل فقد أُصيب أكثر من أربعة ألاف شخص بالتيفوئيد المعدي وقعت منذ بداية الحرب، وتضاعفت أكثر من ثلاثة مرات، أعداد المصابين بالتهاب الكبد الوبائي، كما انتشر مرض «الليشمانيا» (حبة حلب) في حلب وأريافها، وتوسع انتشار هذا المرض الى مناطق لم يكن يوجد فيها قبل الحرب(حماة وطرطوس)، في ظاهرة تعد خطيرة، كذلك انتشر النكاف “أبو كعب” في المناطق الشرقية نتيجة لانخفاض مستوى المياه في نهر الفرات وتلوثها بشكل حاد.
وكانت “منظمة الصحة العالمية WHO ” قد أشارت في تقارير لها (ذات التقارير التي استندت اليها “الاندبندنت” ، الى أن الإرهابيون دمروا 58 في المئة من مستشفيات سوريا، وأكثر من 60 في المئة من المراكز الصحية التي تقدم الخدمات الطبية واللقاحات والرعاية الصحية في الأرياف والمدن، وتوقف حوالى 90 في المئة من الصناعات الدوائية السورية عن الإنتاج. وأحرقت المجموعات الارهابية أكثرمن 300 سيارة إسعاف.
الحرب…
وبالفعل، تفتقر مناطق النزاع، لكل ما يسمى شروط الحياة الصحية، فعداك عن الشح الشديد المياه الصالحة للشرب(حلب مثالاً)، فقد اختلط الصرف الصحي بمياه الشرب أحياناً (قرى الغوطة)، وتراكمت القمامة في الشوارع، فتحولت المدن لبيئة مناسبة لانتشار القوارض والحشرات، الناقلة للامراض، وفي المناطق التي سيطر عليها الارهابيون كان هناك غياب تام لكل أنواع اللقاحات الدورية، فانتشرت الامراض السارية،المعدية واخرى تحولت الى مزمنة، ولم يكن الوضع في مخيمات النزوح أفضل منه في المدن، حيث تكدس الناس فوق بعضهم البعض، وتشاركوا مرغمين كل شيء من مصادر الماء النقي (نوعاً ما) حتى الحمامات والصرف الصحي، فاستفحل مرض ” التيفوئيد”.
الأمراض التنفسية
وأحرقت الحرب ألاف الهكتارات من الغابة السورية، فازدادت نسبة تلوث الهواء، وانتشر الكثير من الأمراض التنفسية الناتجة عن التحسس، وأصيب المئات من الذين يعملون في استخراج النفط بطرق بدائية، نتيجة تعرضهم المباشر للأشعة الصادرة عن النفط الخام باضطرابات عصبية وأمراض خبيثة من نوع سرطان الرئة.
الحصبة من جديد
وأشارت تقارير منظمتي الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود MSF ،الى أنه وفي عام 2014 ظهرت حوالي سبعة آلاف إصابة بمرض “الحصبة”، في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا، وهو مرض معدٍ.علماً أن سوريا لم تسجل منذ عقود، وحتى بداية الحرب أية حالة إصابة بهذا المرض.
اضطرابات نفسية.
أضف الى كل ماسبق، أن الطفولة التي شاهدت، عمليات القتل والذبح والجلد ،والامهات اللواتي فقدن أزواجهن وأبنائهن في الحرب، والرجال الذين فقدوا مصانعهم وأعمالهم ومصادرعيشهم، كل هؤلاء ظهرت لديهم أعراض لأمراض تنضوي تحت اسم الاضطرابات النفسية التي هي شكل أخر من الدمار في مجال الصحة.
اليوم، أمام المنظمات الدولية والهيئات الانسانية، التي تناولت وبجدية، الى حدٍ ما، عمق العلاقة بين تغير المناخ والحروب والنزاعات، وتأثير كل منهما على الصحة العامة للبشر، واقع صحي مرير يعيشه الشعب السوري، فهناك مناطق فيها نقص حاد بالغذاء والماء والدواء، يعاني أهلها من التلوث الشديد بكافة أنواعه.
فهل ستلعب تلك المنظمات دوراً أساسياً في إعادة إعمار الإنسان السوري، وإعادته للعيش في بيئةٍ نظيفةٍ سليمةٍ وصحية…أم أنها ستكتفي باصدار التقارير ريثما يبدأ حيتان البنك الدولي عبر خطط ووسطاء بنهش سوريا …فتتباكى بعدها .