طبيعة الحياة اليومية المتسارعة، فضلاً عن إرتفاع نسبة سكّان الكوكب الأزرق، تساهم في شكل أو بآخر برفع نسبة الأمراض المزمنة والسرطانية منها. خلاصة قد تكون ربما غير علمية، إلا أن واقع الأمور ومسار إرتفاع نسب الأمراض سنة بعد أخرى، وربطها بالأسباب المتوقّعة لها، عوامل تشير إلى أن الطلب الزائد على المنتجات الغذائية والحيوانية أدّت إلى الإعتماد على وسائل ومواد مختلفة تصيب الإنسان في نهاية المطاف بأمراض كثيرة، رغم أن الحقيقة تكمن في عدم إمكانية تخلّي الإنسان لا عن إنتاج تلك الانواع ولا عن عدم تناولها.
تختلف المواد المستعملة مع إختلاف الأنواع المنتجة، إلا أنه في ما يخصّ الإنتاج الحيواني من اللحومات ومشتقاتها، فهو يأخذ الحيّز الأكبر في هذا المجال. وبينما يعتبر أن استخدام المضادات الحيوية في مجال الطب البيطري مشروع، إلا أن إرتفاع أعداد الإصابات البشرية التي تهدد الحياة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وصلت إلى مراحل تحتّم دقّ ناقوس الخطر!
فقد تصاعدت انتقادات جمعيات حماية المستهلك وخبراء الصحة العامة في العالم بسبب مخاوف متصاعدة بأن الإفراط في استخدام هذه المضادات يسهم في ارتفاع أعداد الإصابات البشرية وتؤثر على مقاومة أجسام الإنسان للأمراض أو التفاعل مع المضادات الحيوية.
وقد سادت في فترة من الفترات السابقة حالة من الرعب والفزع في دول العالم بسبب اللحوم والأعلاف الملوثة نتيجة إستخدام المضادات الحيوية فى تغذية الحيوانات والدواجن والتي تؤكد التقارير الطبية أنها تعد واحدة من أسباب إصابة الإنسان بالسرطان. وقد دعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) دول العالم إلى سحب المضادات الحيوية واتخاذ خطوات جادة لمنع استخدامها فى المنتجات الغذائية.
إن المضادات الحيوية تستخدم فى الحيوانات لهدفين، إما كعلاج أو كمنشط للنمو وزيادة الوزن وتحسين الكفاءة الإنتاجية للتحويل الغذائي الحيوي فى الحيوانات عن طريق قتل البكتريا الموجودة فى القناة الهضمية التى تعيق عملية الهضم، وبالتالى يحصل المربي على كتلة لحمية أكبر من الطائر أو من الحيوان الذى يربيه. كذلك استخدامها بجرعات علاجية تحت إسم الأعلاف أو منشطات نمو أو محسنات نمو.
القانون يسمح بهذه الإستخدامات، إلا ان المشلكة الكبيرة تكمن في عدم إلتزام الجهات الإنتاجية بفترة الأمان المحددة لتخلص الجسم من المضاد الحيوي والتى تقتضي عدم السماح ببيع الحيوان أو منتجاته حتى يتم التخلص من متبقيات المضاد الحيويأو فضلاته. وبالتالي فإن مشكلة بقاء المضادات الحيوية فى جسم الحيوان أو الدجاج تمنح البكتريا مناعة وقدرة على المقاومة لتأثير المضادات، والذى ينتقل فى النهاية إلى الإنسان، ويتراكم داخل جسمه مما يجعله يصاب بتلك البكتريا، والتى اكتسبت قدرة على المقاومة، وبالتالى يستحيل العلاج وقد يصاب الإنسان بأمراض خطيرة مثل تليف الكبد والأورام السرطانية.
إضافة إلى الآثار غير المرغوبة للمضاد الحيوي نتيجة لتأثيره فى القناة الهضمية للحيوان الذى يعطى الفرصة لتكوين البكتريا المانعة فى أمعائه مما يؤدى إلى تلوث لحوم الحيوان ومنتجاته وانتشار هذا النوع من البكتريا فى البيئة.
لهذه الأسباب، حذّرت منظمة الصحة العالمية منذ يومين من خطورة هذا الأمر وأشارت إلى إنه يتعين على صناعة المواد الغذائية التوقف عن استخدام المضادات الحيوية لتعزيز نمو الحيوانات السليمة، وذلك في توجيهات جديدة تهدف إلى الحد من مقاومة الانسان لهذه الادوية.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن بعض البلدان، تصل ما نسبته 80 في المائة من كافة المضادات الحيوية المستخدمة في نهاية المطاف كأدوية لتعزيز النمو في قطاع الحيوان.
كما أن الإفراط في إعطاء الأدوية للحيوانات والبشر يزيد التهديد الحالي المتمثل في مقاومة المضادات الحيوية، حيث تزايدت هذه المقاومة إلى مرحلة أصبح لا يوجد فيها مزيد من الأدوية لعلاج بعض أنواع البكتيريا.
في هذا الإطار، يقول رئيس المنظمة تيدروس ادهانوم غيبريسوس إن ” الإفتقار إلى المضادات الحيوية الفعالة يتساوى في خطورته بالتهديد الأمني مثلما يحدث عندما يتفشى مرض مفاجئ ومميت”.
وتقول المنظمة في المبادئ التوجيهية المحدثة إن الحيوانات التي تتم تربيتها من أجل لحومها أو حليبها أو بيضها يجب أن تعالج فقط بالمضادات الحيوية إذا كانت مريضة فعلا، أو إذا كانت هناك عدوى بين قطيعها.
وأوصت منظمة الصحة العالمية المزارعين بالعمل على وقاية الحيوانات من الأمراض عن طريق تحسين النظافة والصحة العامة، من خلال التطعيمات، بدلاً من استخدام الأدوية.