استحقاقات كبيرة وخطيرة رفعت من وتيرة الخطابات خلال مفاوضات في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ في مدينة بون الألمانية COP23، خصوصا وأن رياح التحديات جرت بعكس ما تشتهي سفينة إتفاقية باريس (2015)، فثمرة التعاون الدولي أعاقت نضوجها المصالح الاقتصادية للدول الكبرى، وإن ادعت عكس ذلك.
ما لم يتم الاعتراف به من قبل الدول في أروقة المؤتمر، سبق وأن جاهر به الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال إعلان خروج بلاده من اتفاقية باريس في حزيران الماضي، فيما لا تزال البلدان الغنية الملوثة والمساهمة في ارتفاع درجة حرارة الكوكب متمسكة بمصالحها على حساب المناخ، ولكن بفارق بسيط وهو أن ترامب أكد استمراره في تلويث الكوكب علانية، فيما الدول الرافعة شعار خفض حرارة الكوكب، ما تزال تستعرض وتناور.
ويبدو أن مناخ بون البارد لم يفلح بالحد من تزايد إرتفاع حرارة الكوكب، فيما مساعي الامم المتحدة لم تتمكن من رفد صندوق المناخ بغير الوعود، خصوصا وأن التوجه العام يقضي برفد هذا الصندوق بمئة مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية والفقيرة على التكيف وامتلاك تقنيات الطاقات المتجددة.
قد لا تبدو الصورة متشائمة إلى ما يدفع باتجاه “نعي قضية المناخ”، إذ تبقى ثمة إجراءات يمكن البناء عليها في مؤتمر COP24 المزمع عقده في بولونيا 2018، فضلا عن أنه من السابق لأوانه إجراء دراسة تقييمة للمؤتمر، وهذا ما يتطلب الوقوف على أمور تنظيمية وتقنية بتؤدة.
لبنان
أما على الصعيد الوطني، فإن لبنان ما يزال غارقا في أزماته التي تعيق مسار تحوله نحو الطاقات المتجددة، وتبني الاستدامة كخيار نهائي، وإن خطا في هذا المجال خطوات متواضعة حتى الآن.
وفي المقابل، ثمة استحقاقات كبيرة لا بد من مواجهتها، ولا سيما في موضوع النفايات والحد من الانبعاثات من قطاع النقل وتعزيز قطاع النقل العام، وتأمين البنية التحتية للتوجه نحو السيارات والمركبات الكهربائية، وتقديم حوافز للمواطنين والمؤسسات، وغير ذلك من أمور تطاول قطاعات عدة.
لكن من جهة ثانية، حقق لبنان خطوات مقبولة في مجال الايفاء بالتزاماته المحددة وطنيا لجهة خفض الانبعاثات، بالشراكة بين الدولة (القطاع الرسمي) والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وبحزمة حوافز يوفرها لهذا الهدف المصرف المركزي، متمثلة بالقروض من صناديق دول أجنبية، لتشجيعه الى الانتقال الى الطاقة النظيفة، إلى جانب جلسات تدريب لتمكين القطاع الخاص من تصميم برامجه وتشجيعه، ولهذا الهدف أطلقت المنصة المعرفية لقطاع الاعمال Business Knowledge Platform التي شاركت فيها حوالي 100 جمعية وشركة.
مشاركة حزب الخضر اللبناني
وعكست مشاركة رئيسة “حزب الخضر اللبناني ورئيسة جمعية “الفكر الأخضر” Green Mind ندى زعرور في مؤتمر بون COP23 مع وفد من منصة “العمل لأجل المناخ في لبنان” Lebanon Climate Act، وجمعية “الفكر الأخضر”Green Mind عضو شبكة العمل المناخي في العالم العربي حضورا لبنانيا عوض إلى حد ما غياب لبنان الرسمي الذي كنا نتمنى أن يكون مشاركا على نحو أكبر.
وفي هذا السياق، أكدت زعرور على “مبدأ جديد له أهميته في التصدي لتغيير المناخ وهو التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص”، مشيرة الى أن “الطاقة المتجددة هي الطريق الحاسم في مواجهة الاحتباس الحراري وهي مدرجة في الهدف 7 من أهداف التنمية المستدامة”.
جاء ذلك على هامش المؤتمر في جناح “الاتحاد الأوروبي” في “غرفة بروكسل” حيث عقد لقاء بمشاركة ممثلين من دول أوروبية، ونوقشت خلاله مواضيع عدة ومنها: تحفيز فرص العمل المناخي، الإجراءات المناخية للقطاع الخاص في منطقة البحر الأبيض المتوسط، العمل الإسباني من أجل إشراك أصحاب المصلحة المتعددين ومبادرات القطاع الخاص المدعومة من الاتحاد الإوروبي في لبنان والمغرب.
مبادرة العمل المناخي اللبناني
وفي مداخلتها حول مبادرة “العمل المناخي اللبناني” Lebanon Climate Act، عرفت زعرور عن جمعية الفكر الأخضر Green Mind Lebanon Climate Act التي أسستها بالشراكة مع “برنامج التنمية للأمم المتحدة”United Nations Development Program UNDP في لبنان وبدعم من مصرف لبنان، وغرفة التجارة في لبنان، ومشروع كلايما ساوث الأوروبي ClimaSouth EU، وقالت بأنها “المنصة المناخية الوحيدة الموجودة في لبنان والعالم العربي، التي يتم فيها دعم القطاع الخاص والشركات وتحفيزها على التعاون معنا في مواجهة تغير المناخ والحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، كما أن المنصة تقوم بالعمل الذي يفترض بالحكومة القيام به للايفاء بالتزاماتها في مؤتمر باريس للمناخ COP21 في العام 2015، لجهة خفض الانبعاثات بمعدل 15 بالمئة، وحتى هذا التاريخ لدينا 100 شركة انضمت إلى منصة العمل من أجل المناخ في لبنان وهذا دعما واضحا للحكومة”,
وأضافت زعرور أنه “بهدف تسهيل التعاون بين القطاعين العام والخاص، أنشأنا (منصة معرفة الأعمال) (Business Knowledge Platform (BKP، التي عقدت مجموعة من الورش التدريبية بدعم من ClimaSouth EU بمشاركة خبراء عالميين مختصين ليوفروا لقطاع الأعمال فرصة لعرض أعمالهم ومبادراتهم، لجهة العمل من أجل الحد من تغير المناخ في لبنان، وسوف توفر هذه المنصة مجالا للشركات لعرض ودعم العمل المناخي، من خلال مبادرات ملموسة، ومن ثم المساهمة بطريقة مستدامة ومربحة في الاستجابة القوية والفعالة لتغير المناخ”.
هدف المنصة
وقالت زعرور: “هدف المنصة تنمية القيادات تحفيز الشركات بمكافأتهم ومساعدة قطاع الأعمال على تصميم وتنفيذ الأنشطة النظيفة وتشجيع وتحفيز الآخرين من خلال ترويج التجارب الناجحة والملهمة التي تساهم في مجابهة تغير المناخ “.
وعرضت لأول دليل يحتوي على أدوات لمساعدة الشركات على تطوير وتنفيذ خطة عمل للمشاركة في الحد من تغير المناخ داخل الشركة وخارجها، وعلى نطاق كل عمل”، وقالت زعرور أن “هذا الدليل يساعد في الاستفادة من الفرص الناشئة والناتجة عن سياسات الحد من تغير المناخ”.
أبطال المناخ
أما عن الذين أبدوا التزاما حقيقيا بقضية المناخ في مختلف القطاعات، ووضعوا خطة عمل مناخية ذكية تساهم في تطوير استراتيجيات وإجراءات موثوق بها للحد من تغير المناخ، وبدأوا بتنفيذها، فقد “كرمناهم وأطلقنا عليهم لقب ابطال المناخ بغية تحفيز شركات اخرى للانضمام الى المنصة”.
وأكدت زعرور أن “الإجراءات المناخية تسهم في نجاح أهداف التنمية المستدامة الـ 17″، وعرضت في هذا المجال العديد من الأمثلة والأهداف، وقالت أن “الأهداف المتعلقة بالنظم الإيكولوجية السليمة للأراضي والمياه ومختلف النشاطات البشرية ضرورية للحفاظ على توازن الانبعاثات في المستقبل”.
وختمت زعرور مشددة على “دور النساء في معظم البلدان النامية، وبأن تمكينهم بالكامل يجعل منهن عناصر فاعلة قوية في العمل المناخي، بما في ذلك الانتقال إلى الطاقة المستدامة والزراعة المرنة مع متطلبات المناخ”.