هل يتحول النفط في لبنان من نعمة إلى نقمة؟ سؤال حاضر منذ مدة من خاصرة الفساد المتحكم بمرافق ومؤسسات الدولة، وهو غير منفصل عن أسئلة كثيرة على صلة بالفساد عينه، أي أن النفط لن يكون في منأى عن آليات اقتسام المغانم والمحاصصة والتلزيمات، ولا نتطاول على سلطة أقر أركانها بما يؤرق ويزيد من هواجس المواطن حين خصصت وزراة لمكافحة الفساد، ولذلك ليس ثمة ما يقنع بأن ملف النفط سيكون استثناءً وعنوانا للشفافية.
كما أن العديد من المتابعين والناشطين في قطاع المجتمع المدني، بدأ يتحرك في هذا المجال، لجهة طرح هذا الملف كقضية، خصوصا من قبل مجموعة من الشباب والأكاديمين أطلقوا ما بات يعرف بـ”المبادرة اللبنانية للنفط والغاز”، بهدف تشكيل رأي عام يمكنه الضغط على صانعي القرار كي لا تذهب هذه الثروة المكتشفة لصالح قلة من المستفيدين.
لكن ما يؤرقنا أكثر أن أحدا لم يقدم تصورا وافيا ودراسات مستفيضة عن أثر استخراج النفط على البيئة في لبنان، وهذه مسألة تفترض تبني تدابير وإجراءات صارمة كي لا ندفع من قيمة النفط فاتورة معالجة التلوث، ونتائجه على البيئة والصحة.
الشفافية والمساءلة
ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أنه قبل مدة أطلقت مجموعة من الشباب اللبنانيين المستقلين تضم خبراء طاقة أكاديميين “المبادرة اللبنانية للنفط والغاز” Lebanese Oil & Gas Initiative LOGI، وقد عملت المبادرة، وفقا لمطلقيها، انطلاقا من رؤيتها القائمة على “ضرورة توعية المواطنين ليشكلوا قوة ضغط على السياسيين في لبنان، لوعيها الكامل بمشاكل النظام اللبناني وصعوبة التغيير ضمنه، وإدراكا منها لحجم التحديات التي ستواجه هذا القطاع، وخصوصا اذا كان مستجدا على بلد مثل لبنان في نفس الوقت الذي لا يثق فيه اللبنانيون بحكوماتهم ويخشون أن تذهب عائدات هذا القطاع ضحية الفساد والسرقة والمحاصصات”.
وقد حرصت المجموعة أن تضم الكثير من خبراء الطاقة ضمن منصة عمل واحدة تعمل بمهنية ومستوى عال من الخبرة لمساعدة اللبنانيين والمجتمع المدني على فهم احتمالات الاستفادة من النفط، تنقيبا وتصديرا، ليتمكنوا مستقبلا من متابعة صناع السياسات الرسمية وإصلاح مسارها.
وبالفعل، فقد أعدت المبادرة لهذا الغرض دراسة معمقة عن الشفافية والمساءلة في التشريعات اللبنانية لقطاع البترول، وسلطت الضوء أيضا على الثغرات التي من شأنها تعريض هذا القطاع للفساد، بهدف مساعدة اللبنانيين على الاستفادة من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لثروة النفط والغاز.
الإطار القانوني
وتضمنت الدراسة التي أعلن عنها في مؤتمر صحفي مراجعة مفصلة للقوانين والمراسيم التي أقرتها الدولة اللبنانية بدءا من سنة 2010، ومقترحات حول بعض مسودات القوانين التي تتعلق بالشفافية والمساءلة، وبالأخص مقترح قانون الشفافية الذي أعده النائب جوزف معلوف.
وقدمت يومها المديرة التنفيذية لـ “المبادرة اللبنانية للنفط والغاز” ديانا القيسي المشروع الذي استعانت المبادرة لتنفيذه بشركة المحاماة النروجية الدولية “آرنتزين دي بيش” ومكتب المحاماة اللبناني “ألجاد” برئاسة مالك تقي الدين.
وشرحت القيسي أسباب تحضير التقرير على أنه ينصب ضمن جهود المبادرة لتفعيل دور المجتمع المدني في إدارة ثرواته الطبيعية، من خلال تسليحه بالوقائع والمعلومات والشروحات والتوصيات الموضوعية التي من شأنها زيادة الشفافية والرقابة، والمساءلة في القوانين والمراسيم الموجودة حاليا والمسودات المطروحة والتي تتعلق بالإطار القانوني الذي يسير القطاع.
مؤخرا أعلنت الحكومة اللبنانية نيتها الإنضمام الى مبادرة الشفافية للصناعات الإستخراجية EITI وعن نيتها الالتزام بتنفيذ هذه المبادرة وتسمية وزير الطاقة والمياه لقيادة عملية تنفيذ المبادرة.
حلقات تدريب للمجتمع المدني
والجدير بالذكر أن هذه المبادرة تعتبر معيارا لإدارة موارد النفط والغاز والمعادن في البلدان المنضمة اليها، حيث يتم تنفيذ هذا المعيار من قبل الحكومات بالتعاون مع المجتمع المدني والشركات العالمية المنقبة عن البترول والمنتجة له، ولهذه الأهداف بدأت “المبادرة اللبنانية للنفط والغاز” (Lebanese Oil & Gas Initiative (LOGI بالشراكة مع Norwegian Peoples Aid (NPA) حلقات تدريب للمجتمع المدني في مختلف المناطق اللبنانية حول مبادرة الشفافية في الصناعات الإستخراجية والتعريف بها، وقد شارك greenarea.info بواحدة من هذه الحلقات قبل يومين.
وتتمحور الورش وحلقات التدريب حول العديد من الأهداف، أهمها:
1-زيادة معرفة المشاركين بخصائص قطاع الصناعات الإستخراجية وما يعرف بسلسلة القيمة.
2-تعريف المشاركين بالمبادرة وبالشفافية في الصناعات الإستخراجية ومراحلها وشروطها.
3-تعريف وتقديم محتوى تقرير المطابقة، وكيفية المصادقة على الإمتثال لشروط المبادرة.
هذه الخطوات الجادة والمدروسة من شأنها اطلاع المجتمع المدني على كامل التفاصيل بدءا من سلسلة القيمة وصولا الى المطابقة والمصادقة.