اطلقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم تقريراً بعنوان “كأنك تتنشق موتك … المخاطر الصحية لحرق النفايات في لبنان”. وجدت المنظمة “أن الذين يسكنون بالقرب من أماكن الحرق المكشوفة يعانون من مشاكل صحية تتوافق مع التنشق المطول والمتكرر لدخان محارق النفايات. منها، مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهابات الحلق، أمراض جلدية، والربو. في العديد من الحالات، وصف الذين تمت مقابلتهم علاقة زمنية بين حرق النفايات وأمراضهم؛ فقد أصيب بعضهم بالمرض بعد البدء بعمليات الحرق أو انتقالهم إلى أماكن يتم فيه الحرق. فيما قال آخرون إن عوارض مرضهم تدنّت بعدما أوقفت البلدية الحرق أو انتقلوا بعيدا عن مناطق الحرق”.
التقرير الذي يقع في ٦٧ صفحة هو خلاصة عمل استمر من أيلول 2016 لغاية أيار 2017. أجرت هيومن رايتس ووتش 104 مقابلات مع خبراء في الصحة العامة، مسؤولين حكوميين، أطباء، صيادلة، ناشطين، وسكان يعيشون بجوار مكبات مكشوفة في لبنان. وزارت المنظمة 15 موقعا منها، برج حمود والفنار وسن الفيل وأنطلياس والدورة والجديدة والدكوانة؛ في البقاع، زحلة وكفر زبد وبر الياس وبعلبك؛ في الجزء الجنوبي من جبل لبنان، الدوحة والناعمة؛ وفي الجنوب، المجادل والشهابية وصور، بما في ذلك 3 مكبات كبيرة حيث تم الإبلاغ عن حرق في الهواء الطلق، وتكلمت مع 53 من السكان حول الحرق. في جميع الحالات، كانت المكبات على بعد بضع مئات الأمتار من المناطق السكنية وبعضها كان ملاصقا للمنازل. وبسبب صعوبة الوصول إلى بعض المكبات، استخدمت هيومن رايتس ووتش طائرة تجارية من دون طيار لمراقبة مكبين كبيرين في بر الياس وبعلبك في البقاع، وواحد في المجادل في الجنوب. أخذت الطائرة مئات الصور الجوية المفصلة لمواقع المكبات ومحيطها المباشر.
ولفت التقرير الى ان حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان ممارسة خطيرة ويمكن تفاديها. ولأنه يسبب خطر الإصابة بمشاكل صحية على المديين القصير والطويل، فإنه يستدعي التزام الحكومة اللبنانية القانوني بحماية صحة مواطنيها. ويأتي حرق النفايات في الهواء الطلق في لبنان نتيجة عدم معالجة الحكومة النفايات الصلبة بطريقة تلتزم القوانين البيئية والصحية التي من شأنها حماية الناس.
يتم الحرق في الهواء الطلق عندما تنهار خطط إدارة النفايات، مثلما حصل في بيروت وجبل لبنان خلال أزمة النفايات 2015 التي تكدّست خلالها النفايات في الشوارع. ولكن سببه أيضا أن الحكومة المركزية تولي الأولوية لبيروت وجبل لبنان في جمع النفايات – تنتج هاتان المنطقتان نصف نفايات لبنان المنزلية الصلبة فقط – في حين تترك البلديات الأخرى لتتدبر أمرها بنفسها دون أي دعم مالي أو تقني أو مراقبة.
وثّقت عدة دراسات علمية مخاطر الانبعاثات من المحارق في الهواء الطلق على صحة الإنسان. منها التعّرض لجزيئات دقيقة، الديوكسين، المركبات العضوية المتطايرة، ومركبات كل من الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات وثنائي الفينيل متعدد الكلور، التي ترتبط بأمراض القلب والسرطان وأمراض الجلد والربو وأمراض تنفسية.
وقال مدير “هيومن رايتس ووتش” في بيروت، نديم حوري، أن حرق النفايات يستدعي التزام لبنان بواجباته تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان. فلبنان دولة عضو في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الذي يتطلب منه اتخاذ خطوات لتحقيق حق الإنسان “في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”. في حين تلعب عوامل أخرى دورا في هذه الأمراض، فإن نسبة تلوث الهواء من حرق النفايات في الهواء الطلق، العلاقة بين هذه الأمراض وفترات الحرق، والمقابلات مع أطباء وخبراء آخرين في الصحة العامة تدل على علاقة سببية بين تلوث الهواء من حرق النفايات وسوء الأوضاع الصحية في المجتمعات المحلية.

كب نفايات مفتوح في بر الياس، حيث قال سكان مجاورون إن الحرائق مستمرة لأعوام. © بسام خواجا/هيومن رايتس ووتش

مكب نفايات مفتوح في بر الياس، حيث قال سكان مجاورون إن الحرائق مستمرة لأعوام. © بسام
خواجا/هيومن رايتس ووتش

وقال 10 أطباء لهيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن المحارق المكشوفة تسبب أمراضا تنفسية. كما لاحظ أطباء في بيروت وضواحيها ارتفاعا في حالات الأمراض التنفسية في المناطق التي بدأت بحرق النفايات بعد أزمة إدارة النفايات في 2015.
شرح أشخاص يسكنون بالقرب من مكبات النفايات المكشوفة كيف أثّر حرق النفايات على أوجه حياتهم الأخرى: فلم يعد باستطاعتهم إمضاء وقت بالخارج، بدأوا يعانون من صعوبات في النوم بسبب تلوث الهواء، أو اضطروا إلى مغادرة منازلهم وقت الحرق. وأفاد بعض السكان أنهم اضطروا إلى الانتقال نهائيا إلى أماكن أخرى لتجنّب آثار الحرق المكشوف الصحية الممكنة.

كما وثّقت هيومن رايتس ووتش 3 حالات تم الحرق خلالها بالقرب من مدارس. وفي إحداها، بالقرب من الناعمة، قال المسؤولون إن النفايات كانت تُرمى وتُحرق في الجهة المقابلة من الشارع على مدى 4 أيام خلال تشرين الأول 2016، ما اضطرهم إلى اعتماد تدابير طارئة وإرسال الأطفال إلى منازلهم.
بالإضافة إلى المخاوف الصحية المباشرة، قالت بعض الأُسر إن عدم اليقين مما إذا كانت المحارق ستسبب لهم مشاكل صحية أخطر، بما في ذلك السرطان، أثّر كثيرا على نفسيتهم. في حالة واحدة فقط قال المتحدث إن البلدية قدمت للأسرة معلومات عن مخاطر المحارق المكشوفة واحتياطات السلامة الواجب اتخاذها. في النتيجة، عبّر كثيرون عن خوفهم من مخاطر مجهولة والقلق حول التأثير المحتمل للمحارق المفتوحة على صحتهم وصحة أولادهم. كما عبّر الأهل عن إحباطهم بسبب عجزهم عن حماية أطفالهم من الآثار الصحية المحتملة للحرق.

خريطة من التقرير تظهر مواقع الحرق الاسبوعي للنفايات

خريطة من التقرير تظهر مواقع الحرق الاسبوعي للنفايات

يبدو أن الحرق في الهواء الطلق في لبنان يؤثر على المناطق ذات الدخل المنخفض أكثر من غيرها. حصلت هيومن رايتس ووتش على خريطة للمكبات المكشوفة من وزارة البيئة و”برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، يظهر فيها أن بالرغم من وجود أكثر من 100 مكب مكشوف في بيروت وجبل لبنان، وهي من المناطق الأكثر ثراء في البلاد ويقطنها 50% من السكان، يتم حرق 9 منها فقط. لكن هناك نحو 150 مكبا مكشوفا يتم حرقها في مختلف أنحاء البلاد، حيث يقطن الـ 50% الآخرون. معظم المكبات حيث يتم الحرق في الهواء الطلق بانتظام موجودة في بعض أفقر المناطق في البلاد، منها البقاع والنبطية والجنوب.
لم يطبق لبنان خطة وطنية لإدارة النفايات الصلبة تشمل البلد بأكمله. وبحسب باحثين في “الجامعة الأميركية في بيروت”، 10 إلى %12 فقط من نفايات لبنان لا يمكن تسبيخها تحويلها إلى سماد أو إعادة تدويرها، مع ذلك 77% ترمى في مكبات مكشوفة أو تطمر. بالاعتماد على أرقام وزارة البيئة، هناك 941 مكبا مكشوفا في البلاد، منها 617 للنفايات المنزلية الصلبة. أكثر من 150 منها تحرق في الهواء الطلق بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
وتزايد حرق النفايات في بيروت وجبل لبنان أيضا بعد انهيار نظام إدارة النفايات فيهما خلال أزمة النفايات في 2015. وقال “الدفاع المدني” اللبناني إنه استجاب لـ 3612 بلاغ حرق نفايات في الهواء الطلق منذ بداية الأزمة حتى 30 حزيران 2017 في بيروت وجبل لبنان و814 في باقي البلاد. وفق الدفاع المدني، ارتفع عدد حالات الحرق في الهواء الطلق في جبل لبنان 330% في 2015 ثم 250% في 2016.
يشتكي رؤساء البلديات خارج بيروت وجبل لبنان من أن الحكومة المركزية لا تزودهم بالدعم المالي أو التقني المناسبين لإدارة النفايات. وقال معظمهم إن الحكومة تأخرت في توزيع مستحقات “الصندوق البلدي المستقل” في السنوات الأخيرة، ما صعّب على البلديات الاستثمار في إدارة النفايات الصلبة. حسب تقرير لـ “المركز اللبناني للدراسات”، لم يكن صرف أموال الصندوق البلدي منتظما وكان يتأخر لأشهر ويتبع معايير متغيّرة. وجد تقرير لوزارة البيئة في 2010 أن هذا التأخير أدى إلى نشوء المكبات المكشوفة. مع أن بعض البلديات اتخذت خطوات مؤخرا لضبط الحرق في الهواء الطلق، عبّر السكان عن إحباطهم من عدم اتخاذ السلطات شكواهم على محمل الجد.
أجرت هيومن رايتس ووتش بحثا في 15 بلدية تحضيرا لهذا التقرير. وجدت أنه في حين اتخذ عدد من هذه البلديات خطوات لضبط حرق النفايات في الهواء الطلق والاستثمار في منشآت حديثة لمعالجة النفايات، تعاني معظم هذه المشاريع من التأخير في التنفيذ وتعتمد على تمويل من دول أجنبية ومنظمات دولية.
وافقت الحكومة على مشروع قانون متكامل لإدارة النفايات الصلبة وأحالته على البرلمان في 2012. من شأن هذا القانون إنشاء مجلس موحد لإدارة النفايات الصلبة ترأسه وزارة البيئة، ويكون مسؤولا عن اتخاذ القرارات ومعالجة النفايات على المستوى الوطني، بينما يترك مهمة جمع النفايات للسلطات المحلية. غير أن البرلمان لم يوافق على المشروع بعد.
ينتهك الحرق في الهواء الطلق قوانين حماية البيئة اللبنانية، التي تمنع انبعاث الملوثات في الهواء، بما فيها الروائح المضرة والمزعجة. افتقار الحكومة للعمل الفعال في مواجهة انتشار حرق النفايات في الهواء الطلق، ونقص المراقبة الملائمة والمعلومات حول ضررها على الصحة، ينتهكان التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، منها واجب الحكومة احترام وحماية الحق بالصحة.
وخلصت هيومن رايتس ووتش الى ضرورة فرض حظر على حرق النفايات في الهواء الطلق، كما على وزارة البيئة والقضاء محاسبة المخالفين. على وزارة البيئة مراقبة التلوث البيئي الناجم عن المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق ونشر النتائج. وعلى وزارة الصحة مراقبة الآثار الصحية لهذه المكبات والحرق ونشر النتائج، ونصح السكان حول كيفية التخفيف من المخاطر الصحية. وعلى البرلمان تبني قانون وطني حول إدارة متكاملة للنفايات الصلبة، يشمل البلد بأكمله وليس فقط بيروت وجبل لبنان، ويأخذ بعين الاعتبار الآثار البيئية والصحية المرافقة.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This