لمنطقة البقاع حصة من آثار المقالع والكسارات والمرامل في أعالي ضهر البيدر على صحة المواطنين ومصادر رزقهم، فهذه الجبال المترامية الأطراف، والواقعة بين محافظتين (البقاع وجبل لبنان)، ما تزال تُنهش وكأنها لا تنتمي لفضاء الدولة ومؤسساتها، ولا سيما وزارات: البيئة، الداخلية، الطاقة والمياه والصحة، فضلا عن “المجلس الأعلى للمقالع والكسارات”، والجهات الأمنية والقضائية المفترض أن تكون جميعها حاضرة لوقف استباحة هذه المنطقة والإمعان في تدميرها.
أكثر من خمس وثلاثين كسارة تجتث جبالا وتخفي معالم طبيعية إلى الأبد، دون مراعاة الحد الأدنى من شروط بيئية وصحية، وغياب دراسات الأثر البيئي كشرط لقيام أي منشأة صناعية وسكنية وغيرها، وباختصار، ما هو قائم يتخطى الفضيحة إلى ما هو أبعد، ولا نجد توصيفا لهذه الانتهاكات سوى أنها جريمة بيئية وأخلاقية وإنسانية، ترتكب تحت أنظار المسؤولين المعنيين بالحفاظ على بيئة لبنان.
وفي ظل استمرار التدمير الممنهج، تدفع بلدة قب الياس فاتورة هذا التعدي من صحة أبنائها وقطاعها الزراعي، وبنسبة أقل القرى والبلدات القريبة في منطقة البقاع الأوسط، ولا يقتصر الأمر على التلوث فحسب، وإنما يطاول السلامة العامة، فعمليات التفجير تسببت بتشقق جدران المنازل، فضلا عن أخطار ليس أقلها تلوث مصادر المياه الجوفية.
تشويه وتدمير الممنهج
خالد حيدر مزارع من قب الياس وأحد مالكي الأراضي الزراعية في السهل الواقع تحت الجبال التي تنهشها الكسارات والمرامل (مشاع عين دارة من ناحية قب الياس)، أشار لـ greenarea.info إلى أن “زراعة أرضي وتجارتي تتركز على الدراق والنكترين الحاصل على شهادة الأيزو، وكنت أصدّر نحو منها 80 بالمئة من منتجاتي إلى الدول الأوروبية قبل أن أضطر إلى تلف بعضها وغسل بعضها الآخر لبيعه في السوق المحلية نتيجة الغبار المتراكم عليها”.
وقال حيدر: “عدا عن التشويه الحاصل والتدمير الممنهج الذي تتعرض له الجبال، فإن أضرارا عدة أتعرض لها مع غيري من المزارعين وأبناء البلدة، نتيجة الغبار الكثيف الذي يغطي الأشجار، والتي تقطع عنها عملية التمثيل الضوئي، ما يؤدي أيضا إلى يباس وموت الأشجار ومرضها”.
وأشار إلى أن “الأشجار تعيش حوالي العشرين سنة، ولكننا نضطر إلى اقتلاعها في عامها الثاني عشر، علما أنها لا تعطي ثمارا جيدا قبل نحو ست سنوات وهذه خسارة كبيرة علينا، بالإضافة الى ما يتكدس من غبار على الفاكهة المنتجة، ما يعيق عملية تسويقها وبيعها”.
تمويه… وإسكات الناس
وفي هذا المجال، لا بد من الإشارة إلى عمليات التفجير تحصل بطرق غير آمنة، فقبل سنوات مثلا سجل محضر من قبل قوى الأمن الداخلي بعد عمليه تفجير انهارت فيها الصخور ووصلت إلى البيوت وهذه الحادثة موثقة لدى المراجع المعنية، فضلا عن أنه تستخدم في عمليات التفجير مادة النيترات، وقد عاينا greenarea.info بعض البيوت والمحال المتصدعة والمتشققة جدرانها نتيجة التفجيرات.
وقال حيدر: “من المعروف أن هذه الجبال تحتضن خزانات المياه الجوفية، كما وأن ينابيع مياه الشفة في البلدة موجودة مباشرة أسفل الكسارات، وقد لاحظنا رواسب مادة (النيترات) في آبارنا الإرتوازية من قب الياس إلى عميق، وهي من مسببات مرض السرطان المنتشر في منطقتنا إلى جانب عوامل أخرى”.
وأضاف أن “عملية تخزين المياه في الجبل انخفضت نتيجة انحدار وجريان المياه الى أراضينا عوضا عن تخزينها في المناطق التي دمرت، ولتدارك هذا الأمر يقومون بتظيف مجاري المياه للتمويه وإسكات الناس”.
الكل مغطى سياسيا
ويذكر حيدر أنه “خلال الزيارة الأخيرة لوزير البيئة طارق الخطيب لمجرى الليطاني، وخلال إحدى الوقفات التي كان يحاضر فيها عن الليطاني أحضرت له عينات من الفاكهة التي تكدس الغبار عليها، وقلت له بأنني من يلوث الليطاني بهذه الفاكهة لأنني ألقيها فيه بسبب تعذر تصريفها”.
وعن المسافة التي تفصلهم عن الكسارات، قال حيدر: “حوالي الـ 200 متر، وهذا بما يخالف كل الشروط التي تحدد المسافة بحوالي 2 كلم، أما عدد الكسارات فهو 32 كسارة واحدة منها (كسارة فتوش) لديها ترخيص من وزارة البيئة، هذا بالاضافة إلى زفاتة تعمل في الجبل ومعروف غبار الزفت وأضراره”.
وأضاف: “واجهنا بكل الطرق المتاحة واستنكرنا ورفعنا عرائض لجميع الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة البيئة، ولكن دون نتيجة، والكل مغطى سياسيا، ويبدو أن الفساد متجذر في هذا الملف حتى عندما صدر من قبل وزير الداخلية قرار بوقف الكسارات والمرامل وسحب الستوكات، كانت تتم عمليات التفجير ليلا وسحب الرمول نهارا على أنها ستوكات، وبتغطية وعلم وحماية القوى الأمنية والجهات الرسمية”.
وختم حيدر: “وصل بهم الأمر في إحدى المرات إلى التفاوض لجهة دفع ثمن الإنتاج وتركه لدينا مقابل سكوتنا، ولكن هذا لن يحصل وسأتوجه بدعوى شخصية أمام المحاكم المختصة عسى أن تنصفنا في ما لم تنصفنا مؤسسات ووزارات الدولة”.