طغت واقعية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “قمة كوكب واحد” المناخية في باريس، والتي اختتمت أعمالها بإقرار12 التزاماً تمثل خارطة طريق من أجل توفير تمويل عام وخاص لمكافحة التغييرات المناخية، ولا سيما في الدول النامية، عندما أكد أن العالم على وشك أن يخسر معركة المناخ، وأن “عملنا في هذا الجانب لا يسير بسرعة كافية، وهذا مأساوي”.
واقعية ماكرون سبقتها رؤية استشرافية بدت واضحة في الإعلان عن هذا المؤتمر قبيل انطلاق مؤتمر الأطراف في الإتفاقية الإطارية لتغير المناخ COP23 في مدينة بون الألمانية، أي أنه استبق نتائج هذا المؤتمر عندما تيقن أن مؤتمر بون لن يكون بقادر على دعم اتفاق باريس بمستوى ما تمليه الضرورة، لا سيما وأن الدراسات الحديثة أكدت أنه لو تم الالتزام بمسار “باريس” فذلك لن يحول دون ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى ثلاث، بالاستناد إلى المعطيات العلمية والسيناريوهات المتوقعة، فيما السقف الذي حدد اتفاق باريس هو درجة درجتين وإلى درجة ونصف الدرجة على “أحسن تقدير”.
امتعاض فرنسي
وقد نظمت المؤتمر الرئاسة الفرنسية في العاصمة باريس بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي، بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاتفاق باريس لتغير المناخ، وبحضور رؤساء 60 دولة، ويعلم ماكرون أن الأوكسيجين الذي يتيح لهذا الاتفاق الاستمرار يتمثل في تأمين التمويل وحشد الطاقات لدعم الدول الفقيرة والنامية لتسير بخطى أسرع في جهودها من أجل التحول نحو الطاقات البديلة والمتجددة.
وفي المقابل، بدا أن ثمة امتعاضا فرنسيا عبر عنه مسؤولون في منظمات غير حكومية ناشطة في مجال البيئة، خصوصا لجهة أن 17 بالمئة فقط من الضرائب التي تفرضها فرنسا على العمليات في السوق المالية الدولية، تذهب إلى الدول النامية، فيما لم تعتمد الدول الأوروبية ضريبة مماثلة لتلك الفرنسية، على رغم المفاوضات القائمة بهذا الشأن منذ سنوات، وقد كان ثمة موقف فرنسي واضح في هذا المجال قبل يومين من انعقاد “قمة كوكب واحد”، طالب دول الاتحاد الأوروبي أن تحذو حذو فرنسا في هذا المجال.
لكن، وفقا لهذه المنظمات، فإن التمويل الموعود ليس سوى نقطة ماء مقارنة بالحاجات الفعلية التي تُقدر بنحو 6 آلاف بليون دولار سنوياً، منها 4 آلاف لسد متطلّبات الدول النامية.
توفير موجبات معركة المناخ
وهذا ما ألمح إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في افتتاح القمة، عندما أشار إلى أن الحكومات وحدها “ليست قادرة على تحقيق هذه المهمة، وتُعدّ مشاركة رأس المال الخاص جزءاً رئيساً من الحل”.
ورأى غوتيرس أنه من “الضروري رأب الهوة في مجال مكافحة التغيير المناخي بين الدول المتطورة وتلك النامية”، مشددا على “أهمية التحقق من تأمين مئة بليون دولار سنوياً بحلول عام 2020، موعد دخول اتفاق المناخ حيّز التطبيق المطلوب لمساعدة الدول النامية على الوفاء بالتزاماتها في مواجهة التغيير المناخي”.
وتهدف المشاريع التي أُقرّت تحت مسمى 17 التزاما، إلى إرساء تحالف بين المسؤولين الدوليين والقطاعات الإنتاجية والمالية، لإظهار جدوى العمل الجماعي على صعيد مواجهة التغييرات المناخية.
وتحدّد هذه المشاريع وسائل لتمويل أقلمة أنماط معيشتنا مع متطلّبات خفض الانبعاث الحراري، وإدراج القضايا المناخية في صلب النشاطات المالية الدولية.
وفي المحصلة جاءت هذه القمة، لتؤكد أمورا عدة، أهمها أن مكافحة تغير المناخ مهمة دولية أبعد من حصرها في مؤتمر سنوي، ومناسبة يتيمة، ونجح الرئيس ماكرون بواقعيته في السعي لتوفير موجبات معركة المناخ، والحد ما أمكن من خسارة الوقت، خصوصا وأن هذه المعركة مفتوحة ومشرعة على احتمالات كثيرة.