فيما كنا ننتظر زيادة أعداد المحميات الطبيعية، وأن يبت مجلس الوزراء بمشاريع جديدة في هذا المجال، وإعلان مناطق جديدة محميات بيئية وطبيعية، نفاجأ بأن ثمة من لم يتورع عن انتهاك حرمة المحميات الموجودة، وآخرها ما تعرضت له “محمية صور الشاطئية” والتوسع ضمن محيطها الحيوي لصالح مشاريع سكنية، فهذا التعدي الصادم يمثل فضيحة تضع هيبة الدولة على المحك، خصوصا في منطقة تتسم بخصوصية ديموغرافية وجغرافية، مع التداخل بين مدينة صور ومخيم الرشيدية.
للأسف، لم يرق اهتمام الدولة إلى مستوى ما يفرضه هذا التعدي، إن لجهة دور القوى الأمنية المفترض أنها حاضنة لهذه المنطقة المحمية بموجب قوانين واضحة وصريحة، وإن لجهة السلطة الإدارية، ولا سيما منها قائمقامية صور، فضلا عن وزارة البيئة، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الداخلية.
وكان من البديهي أن يتحرك المجتمع الأهلي وبلدية صور وإدارة المحمية لوضع الأمور في نصابها، ما يستدعي بادىء ذي بدء، أن تبادر الجهات المعنية لإزالة التعدي، عملا بالقوانين المرعية الإجراء في مثل هذه الحالات.
تعديات سابقة
في العام 1998 وقع رئيس مجلس الوزراء على القانون 708 الذي يقضي بإنشاء محمية طبيعية في جفتلك رأس العين – منطقة صور العقارية، على مساحة ثلاثة ملايين وثمانمئة وثلاثة وثمانين ألف ومئتين وخمسين مترا مربعا، ليشمل القانون بذلك المنطقة الزراعية في جفتلك – رأس العين، والتي تضم برك رأس العين التي تعرضت سابقا الى تعد في البناء عليها وأزيل التعدي يومها، بالإضافة الى الأراضي الزراعية التي تستخدم مناصفة بين مزارعين لبنانيين وفلسطيننين يعتمدون على هذه الأراضي كمورد أساسي في معيشتهم، ويقدر عددهم بحوالي 130 مزارعا.
في الآونة الأخيرة قام أحد المتمولين وهو المدعو “ك. مشعل” بدفع خلوّ أي بدل مادي لبعض المزارعين الذين يستخدمون هذه الأراضي وقام بتقسيمها كحصص، وعمد الى بيعها لمستفيدين بهدف البناء عليها، خلافا لما ورد في قانون إنشاء المحمية في القسم الثالث من المادة الثالثة، ويهمنا أن نشير أيضا أن دونم الأرض (1000 متر) في هذه المنطقة يثمن بمليون دولار أو أكثر، ولا يحق لأي كان الإستثمار فيه.
التحرك ووقف التعديات
وتم رصد مخالفات عدة، منها مخالفات بناء المدعو “ت. عبدالله”وهذا الشخص هو أحد القياديين في حركة فتح والمدعو” س. موسى”، ما يؤكد لنا أن التعديات حصلت من قبل نافذين في مخيم الرشيدية، وهم يعلمون جيدا بأنه من غير المسموح بالتوسع الأفقي في البناء داخل المخيم، ومع ذلك اعتدوا على أراض متاخمة في العقار 1547 التابع لمحمية صور، في الوقت الذي يجدر بهم التعاطي بإحترام أكبر مع القوانين، وعدم القبول بانتهاكات تضع السلطة الفلسطينية وأهالي المخيم في دائرة الإحراج.
“موقع يا صور” كان قد أثار القضية خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، وعادت القضية الى الواجهة بعد أن عاد وأثارها “الجنوبيون الخضر” في بيان (نشرناه سابقا) ناشدت فيه “الوزارات والقوى الأمنية والقضاء التحرك ووقف التعديات ولرفع تلك التي أقيمت خلال الأسابيع الماضية على أراضي المحمية”، داعية “الحريصين من أهلنا من أبناء المخيم إلى التحرك لرفض هذه التعديات”.
بيان الجمعيات الأهلية
وأعلنت الجمعية أنها “بصدد العمل مع الجمعيات الأهلية في مدينة صور وبالتعاون مع بلديتها لتحرك واسع، لوقف ورفع هذه التعديات التي تمس إرثا طبيعيا وثقافيا وطنيا فريدا”.
كما تقدم “الخضر” بإخبار أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بهذا الخصوص، ثم توالت الأحداث وعقدت الجمعيات الاهلية في صور اجتماعا في مركز ملتقى الشباب الثقافي بحضور ممثلين عن 15 جمعية، وناقش المجتمعون قضية التعدي وخرجوا ببيان جاء فيه أنه “على الرغم من مرور اكثر من شهرين على هذا الحدث، فان الجهات الرسمية المعنية القضائية والادارية لم تتخذ بعد الاجراءات المناسبة حيال حجم الضرر الكبير الناجم عن ذلك والتي من شأنها ردع المعتدين والمتواطئين ايا كانوا، ولذلك فإن الجمعيات الاهلية في مدينة صور اذ تستنكر وتدين هذا التعدي فانها تدعو الى قيام اوسع تحرك لردع المخالفين، وقررت دعم موقف بلدية صور الرافض لهذا التعدي، والاتصال بسائر الجهات الرسمية والسياسية المعنية بهذا الموضوع، وقررت الجمعيات الاهلية استنفار كافة طاقاتها وعلاقاتها لمتابعة هذه القضية المهمة.
الجنوبيون الخضر
من ناحيته قال رئيس جمعية الجنوبيون الخضر الدكتور هشام يونس ل greenarea.info إن هذا التعدي خطير في حجمه وموقعه وطبيعته ويجب إزالته في أسرع وقت ووضع آليات مراقبة وحماية أكثر جدية لأراضي المحمية والنشاطات التي تجري فيها وفي محيطها والذي ينص عليها قانون إنشاء المحمية ،لافتا الى العديد من الإنتهاكات والتعديات السابقة والمسترة في أكثر من موقع وأضاف يونس إن الخضر والجمعيات الأهلية في صور تدرس خطوات تحركها المقبلة ، بالتعاون والتنسيق مع بلدية صور ، في حال لم تتخذ الإجراءات لوقف ورفع التعدي في أسرع وقت ، وشدد يونس على رفض الخضر أي شكل من أشكال التسويات لأنها تعطي للمتعدي على الأملاك العامة حقوقا وتشجع آخرين على الأمر فيما ينص القانون على بند جزائي تجاهها وختم يونس مشددا على دور لجان المخيم وناشطوه وفعالياته في العمل والتعاون مع بلدية صور والمجتمع الأهلي لرفع ومنع التعديات المستقبلية.
دبوق: الموضوع سيأخذ مجراه القانوني
رئيس محمية صور الطبيعية ورئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق قال لـ greenarea.info أن “الموضوع سلك مجراه القانوني والطبيعي”، لافتا إلى أنه “تم تقديم إخبار أمام قوى الأمن الداخلي بخصوص مختلف التعديات في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2017”.
وأكد دبوق “اننا متابعون ومهتمون بأدق التفاصيل”، وقال: “قمنا بمسح ميداني وحددنا التعديات بمؤازرة من الجيش اللبناني، علما بأن العقار تابع للمحمية لكنه يقع ما بين الخط الوهمي لتمركز الجيش اللبناني وحدود مخيم الرشيدية، وقد تمثلت التعديات ببناء قيد الإنجاز، قواعد وركائز و(تصوينة) حديثة الإنجاز”.
وعما إذا كان من الممكن تسوية هذه الأمور عن طريق التملك أو التعويض للإخلاء، قال دبوق: “لن نخضع لأي تسويات والموضوع سيأخذ مجراه القانوني” وختم مؤكدا موقفه الرافض للتعديات من أي طرف كان على الملك العام وأملاك المحمية”.
الملف أصبح مكتملا
كما ونلفت النظر من جهتنا، بأنه تم تداول خبر استدعاء المعتدين وإخلاء سبيلهم، ولكن لا معلومات مؤكدة لدينا حتى الآن، إلا أن مصادرنا تؤكد بأن “الملف أصبح مكتملا لدى قوى الأمن الداخلي وسيعرض على المدعي العام القاضي رهيف رمضان خلال الأيام المقبلة ليصار الى الإدعاء بشكل رسمي ضد كل من يثبت التحقيق إدانته في التعدي الحاصل”، ونلفت بدورنا إلى أن المسؤولية في صون المحمية تتوزع على كل من إدارة المحمية، وزارة البيئة، ووزارة الداخلية.
كما ونشير الى بعض نقاط الضعف التي لاحظناها خلال متابعة هذا التحقيق والتي من الممكن أن تتحول لنقاط قوة من شأنها ردع المخالفات التي من الممكن أن تحصل في المستقبل، وأهمها:
1-فتح طريق من منطقة رأس العين (البرك) لتسهيل دخول الدوريات التابعة للقوى الأمنية الى تلك المنطقة من المحمية.
2-العمل على نقل خط تمركز الجيش اللبناني الى أقرب نقطة ملاصقة للمخيم لكي لا يترك المجال لمساحات تثير شهية المعتدين بدون مراقبة مباشرة.
3-مراقبة أدق لعملية إدخال مواد البناء الى المخيم عبر المعابر المسيطر عليها من قبل الأجهزة الأمنيه والتشديد على عدم بيعها لأي مستفيد في البناء على أراض معتدى عليها تحت طائلة الحرمان من ادخالها.
4-تفعيل دور المحمية من خلال ضبط المخالفات داخلها عبر محاضر الضبط.
5-الإسراع قدر الإمكان في إزالة وقمع التعدي الحاصل وعدم التهاون مع المعتدين الذي من شأنه أن يعرض حوالي 1500 دلم في نفس المحيط لمزيد من التعدي ويسبب في توسع للمخيم وقضم لمساحات مهمة من أراضي المحمية.