لم تعد “سمكة النفيخة” مجرد “غازٍ عابر” لبحرنا، وما كان قبل نحو عشر سنوات مجرد ظاهرة، بات اليوم نذير مشكلة تتهدد التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية في البيئة البحرية، وهي بدأت “تتطاول” على أرزاق الصيادين، ما يؤكد أننا أمام مشكلة تبين المخاطر الحقيقية للأنواع الغازية أو المجتاحة، وهي مشكلة لا تقتصر على لبنان ودول حوض البحر الأبيض المتوسط فحسب، وإنما تستهدف كافة بحار ومحيطات العالم، لأسباب عديدة، لكن يبقى أهمها تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
لقد عادت “سمكة النفيخة” إلى الواجهة مجددا، ورصد greenarea.info وبعض الصيادين ورواد البحر أعدادا كبيرة من صغارها، ما يعني أن هذه الظاهرة ستتفاقم أكثر في المستقبل، دون التقليل من مخاطرها مع أعدادها الكثيرة في الوقت الحاضر، بدليل أن الصيادين بدأوا يتحملون نتائج تكاثرها على حساب مورد رزقهم، ذلك أن “سمكة النفيخة” تتسم بالقوة والشراسة، وقدرتها على تمزيق شباك الصيادين والتهام صيدهم من الأسماك، دون أن ننسى أن لا مخاطر لها على هواة السباحة والغطس، ولكن الأمر يتطلب الحذر وتوعية المواطنين على كيفية التعامل معها والتخلص منها والحد من مخاطرها، كونها سمكة تتسم بأنها سامة جدا، ولا علاج شافيا للسعتها حتى الآن، خصوصا إذا كانت نسبة السم في جسم الانسان كبيرة.
باريش: سمكة خطيرة جدا
الباحث في مجال العلوم البحرية والأستاذ في كلية العلوم في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش، قال لـ greenarea.info: “هناك أكثر من مئتي نوع من فصيلة (النفيخة) منتشرة في المحيطات الهندي والهادي والأطلنطي “، وأشار إلى أن “جميع هذه الأنواع تتميز بخاصية واحدة وهي قدرتها على نفخ جسمها بالمياه وهي في الماء ليكبر حجمها، وعندما تصبح خارج المياه تنفخ جسمها بالهواء”.
وقال باريش: “تحتوي (النفيخة) نوعا من السم اسمه tetrodotoxin يتواجد في كامل جسمها ويتواجد بشكل مركز في المبايض (البطرخ) والأمعاء والجلد أي في مختلف أنحاء من جسمها، وهذا السم خطير ولا ترياق له”، وأكد أن “الدول الأوروبية منعت بشكل كامل دخول سمكة (النفيخة) ولو حتى أجزاء صغيرة منها على كامل المنطقة الأوروبية”، وأشار إلى أن خطورة هذه السمكة في البحر المتوسط تتمثل ايضا في قدرتها على إلتهام كل شيء يمر في طريقها بدءا من السمك والاحياء البحرية وصولا إلى عدة السمك”.
وأضاف: “سُجل حتى الآن وصول سبعة أنواع منها إلى البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن نوعين من عائلة قريبة من (النفيخة)، أي أن هناك تسعة أنواع، وخطورتها في لبنان والمتوسط يتمثل في عدم وجود عدو طبيعي (مفترس) لها يصطادها، أو مرض معروف يصيبها، وثمة أسباب مجهولة أيضا ساهمت في انتشارها وهي الآن تتكاثر على نحو كبير وتغزو المتوسط، وفي الوقت عينه تلتهم بأعدادها الكبيرة كل شيء، وهذا ما يسبب بطبيعة الحال أضرارا كبيرة في بيئتنا البحرية، فضلا عن الأضرار التي تسببها للصيادين، خصوصا وأنها تلتهم الأسماك في الشباك وتلحق اضرار بالشباك أيضا، كما انها تسببت بتراجع كمية الأسماك في البحر، فهذه الاسماك تتميز بقدرة أسنانها الحادة والقوية على قضم وتكسير الحجارة على سبيل المثال”.
ولفت باريش إلى “انها سمكة خطيرة جدا لم نتوصل علميا الى حل يمكِّننا من التخلص منها، ونرى أنه من المفيد قتلها إذا تم اصطيادها”، وقال: “لذلك نقوم الآن بأبحاث من أجل معرفة وتحديد السبل للحد من مخاطرها والتصدي لها، وهذا أمر صعب جدا وليس بالأمر السهل”.
وختم باريش: “حتى الآن لم يتمكن أحد من التخلص من حيوان غاز في البحر، كل العلماء المختصين بالأنواع الغازية يجرون أبحاثا لأجل التصدي لهذه الأنواع، والكلفة التي يتكبدها العالم من الحيوانات الغازية بمليارات الدولارات كل سنة وفي كل منطقة”.
وزارة الزراعة
تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن وزارة الزراعة كانت قد أصدرت قرارا يحمل الرقم 676/1 بتاريخ 27 تموز 2011، موقعا من قبل وزير الزراعة آنذاك الدكتور حسين الحاج حسن، حول “منع صيد ونقل وبيع واستهلاك بعض أنواع الأسماك”، ولا سيما منها “النفيخة”.
جاء فيه:
إن وزير الزراعة
-بناء على المرسوم رقم 5818 تاريخ 13-6-2011 (تشكيل الحكومة).
-بناء على المرسوم رقم 5246 تاريخ 20-6-1994 (تنظيم وزارة الزراعة) لا سيما المادة 100 منه.
-بناء على المرسوم رقم 2775 تاريخ 28 أيلول 1929 المتعلق بمراقبة الصيد والساحلي.
وبما أن هناك بعض الأسماك من النوع السام يشكل استهلاكها خطرا على صحة الإنسان.
بناء على اقتراح مدير عام الزراعة.
يقرر ما يلي:
المادة الأولى: يمنع صيد ونقل وبيع واستهلاك الأسماك المعروفة باسم المنفخ/النفيخة (Lagocephalus spp و Torquigener spp) بأي شكل كان، وذلك تحت طائلة المسؤولية.
المادة الثانية: يستثنى من هذا القرار الجامعات ومراكز الأبحاث، وذلك بعد الحصول على إذن خاص من وزارة الزراعة.
المادة الثالثة: ينشر هذا القرار ويبلغ من يلزم ويعمل به فور صدوره.
المطلوب أكثر
على أهمية قرار وزارة الزراعة، لجهة التحذير من صيد “النفيخة” وبيعها ونقلها واستهلاكها، إلا أن المطلوب أكثر، ولا سيما من وزارة البيئة أيضا، على الأقل لجهة بناء قاعدة معلومات عن سائر الأنواع الغازية.
وبما أن المشكلة لا تقتصر على لبنان فحسب، وإنما تطاول دول حوض البحر الأبيض المتوسط، فلا بد من أن يكون لبنان حاضرا بقوة مع الدول المعنية لمواجهة “سمكة النفيخة” وغيرها من الأسماك الغازية، لا سيما وأن المخاطر، على الأقل في هذه المرحلة أكبر من احتوائها، ومن ثم يجب الوقوف على تجارب دول تعتبر هذه السمكة من مكونات بيئتها البحرية، خصوصا في المحيطين الهندي والهادي.
وما نشهده اليوم وسط معاناة الصيادين، وإذا ما نظرنا إلى حجم وسرعة تكاثرها، فإن السنوات المقبلة ستكون أشد ضررا على الثروة السمكية، فضلا عن أننا لا يمكن من الآن معرفة الآثار المترتبة على سائر الأنواع الغازية على النظم الإيكولوجية في بحرنا.