“تعددت الأسباب والموت واحد”، هذا ما يصح في أزمة وكارثة النفايات الأخيرة، فأن كان مصدرها المطامر أو المكبات العشوائية والأنهار، فالنتيجة واحدة، فضيحة طالما حذر منها greenarea.info، حتى قبل إقرار واعتماد المطامر الشاطئية، إذ كنا ندرك حجم التبعات الخطيرة لمثل هذا الخيار، وهذا ما تجلى سابقا في تهديد طيور النورس لحركة الملاحة الجوية، وفي توثيقنا لاحقا لشباك الصيادين في خلدة وبرج حمود وقد امتلأت بالنفايات، فيما حلت الكارثة بالأمس لتؤكد أن القرارات الارتجالية هذا مآلها.
نحن اليوم إزاء كارثة حقيقية ، تستدعي على الأقل إعادة النظر في السياسة التي انتهجتها الحكومة في هذا الملف، والعمل على رفع الكوارث سريعا، والتصرف بمسؤولية تجاه المواطنين والوطن ، وحتما لن يتحقق هذا بتمديد المشكلةكما حصل وفقا لخطة توسعة المطامر وتثبيت المحارق .
حصة الشعب اللبناني من الفساد
لم تتوان الحكومة وبإجماع سياسي مسبق على التآمر على الشعب اللبناني حين أصدرت قرارات، هي في الواقع عبارة عن جرائم بيئية بالجملة، تطعن خاصرة الوطن وتقتل أبناءه، وتحول قطعة الجنة الى “مزبلة على مد عينك والنظر”، مشاهد أمس الأول وأمس واليوم، إذا ما تبينا حجم أخطارها حاضرا ومستقبلا، تندرج تحت ما يسمى “جرائم ضد الإنسانية”، تضاف إلى حصة الشعب اللبناني من الفساد والسرقات والمحاصصات والملايين المهدورة من الهبات ومن خزينة الدولة والصناديق البلدية المستقلة.
فقبل أيام عاكست العاصفة “مشيئة” الحكومة في تفادي إنفجار الأزمة قبيل الإستحقاق النيابي، حين تم التصويت على قرار توسعة مطمر الكوستابرافا والموافقة على ضم قضاءي الشوف وعاليه الى هذه الخطة المرحلية، والتأكيد على الالتزام بإطلاق مناقصة لمعامل التفكك الحراري وصولا إلى استحداث مطمر الى جانب مكب طرابلس الحالي.
برج حمود
أما فيما خص برج حمود الذي تتحمل طاقته الاستيعابية مزيدا من النفايات لما بعد الإنتخابات النيابية، فلم يكن من داع إلى التطرق له في قرارات التوسعة، ولكن حصل ما لم يندرج ضمن حساباتهم، فشاءت سخرية القدر أن تعاكسهم أيضا فيه حين عبر الموج كواسره خلال العاصفة، وصولا إلى النفايات المطمورة بالتراب وجرفها إلى البحر بحسب ما أدلى به بعض من صيادي ميناء الدورة، فعادت الأزمة الى الواجهة مقترنة بفضيحة موثقة بمشهد النفايات منتشرة على إمتداد شاطئ ساحل المتن ومنطقة كسروان وزوق مكايل ونهر الكلب، استهدفت النظم البيئية البحرية والبرية بشكل صادم.
الجميل: أناس دون ضمير
النائب سامي الجميل وبعد أن عاين شاطئ كسروان، لفت الى ان “المياه دخلت الى المطمر وجرفت معها النفايات، وبالتالي كل البحر ممتلئ، لأن هناك اناسا دون ضمير ودون كفاءة يستلمون ملف النفايات”، وحمّل “إدارة مجلس الانماء والاعمار ووزير البيئة والحكومة مجتمعة مسؤولية هذه الكارثة البيئيّة”، وطالب الجميّل “أولا بتحرك القضاء وباستقالة وزير البيئة الذي جال في المكان دون اتخاذ اي تدبير”، كما طالب “بتحميل المسؤولية الى مجلس الانماء والاعمار وباستقالة رئيسه واعضائه لانهم مسؤولون عن تنفيذ العقد”.
وأضاف الجميل: “ان المسؤوليّة الكبرى نحمّلها لكل اعضاء الحكومة وكل السلطة التي دافعت عن المطمر”، مذكّرا بأن “الاعلام والجمعيات ونحن والكل حذروا من هذه الكارثة”.
الإنماء والإعمار ووزير البيئة
على وقع الفضيحة سارع المدافعون عن خيار المطامر لـ “تلميع”، الصورة فنفى “مجلس الإنماء والإعمار”، في بيان أن تكون “النفايات المنتشرة مصدرها أحد المطامر”، ودعا “وسائل الاعلام والسياسيين (الخبراء) في ملف النفايات إلى معاينة مجرى نهر الكلب وحوضه”، لافتا الى أن “النفايات التي تسبح في مجراه والتي تراكمت خلال فترة أزمة النفايات تشبه النفايات التي إمتدت على الشاطئ”.
كما دعا وزير البيئة طارق الخطيب في رد على الجميل الى “عدم إخضاع الامر للحسابات الانتخابية”، معتبرا أن “البعض يحاول الاستخفاف بعقول الناس وكأنه يعالج المشكلة بـ (ناضور)”.
وخلال زيارته لاحقا الى بيت شباب دعا “الجميل للحضور الى المكان ومعرفة مصدر النفايات”، مشيرا بذلك الى “أحد المكبات العشوائية في المنطقة”.
مواقف
النائب أكرم شهيب، أشار إلى أن “النفايات طمرتها بعض بلديات المتن في أودية نهر الكلب وجرفها المطر عبر مجرى النهر إلى الساحل”، فيما اتهم النائب ابراهيم كنعان “جهات مستفيدة من غايات خاصة بإفتعال مشهد النفايات” من جهته، النائب سيرج طورسركسيان حمل “الحكومة المسؤولية ولفت الى أن اللجنة البيئية ترفض المعالجة تمهيدا لتثبيت خطة اعتماد المحارق”.
الهيئة العليا للاغاثة
مشهد النفايات سرعان ما تبدل مع ساعات الصباح الأولى من يوم أمس، فبدأت عملية تنظيف الشاطئ من الزلقا الى الزوق على ستة محاور، وأشرفت “الهيئة العليا للاغاثة” على عملية التنظيف بتوجهات من رئيس الحكومة سعد الحريري، فقامت “شركة رامكو” بالتنظيف على المحاور التالية: خليج الزوق سوار الرمال، غولدن بيتش المارينا انطلياس، مجرى نهر الكلب، الزلقا قرب مايك سبور، جل الديب، مطمر برج حمود، إلا أنه سرعان ما انتشرت صور لشاطئ عكار مغطى بالنفايات من العبدة الى العريضة، دون أن يحدد مصدرها أيضا ما يثبت أن حجم الكارثة لن يتقلص بحملة تنظيف سريعة، فالبحر حتما سيفيض بالنفايات، خصوصا وأننا موعودون بالمنخفض الجوي “أوسكار” الذي من المتوقع أن تشتد فعاليه يومي الخميس والجمعة.
أمام القانون الدولي
ومع وصول هذه القضية إلى أفق مسدود، لم يكن أمام بعض المحامين من مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” بمنسقها المحامي حسن عادل بزي والمحامين عباس سرور،هاني الأحمدية وبيار الجميل إلا إعلانهم قبل مدة التوجه إلى القضاء الدولي، ولا سيما القضاء البلجيكي الدولي، باعتباره خيارا بديلا، للإدعاء على الحكومة اللبنانية السابقة وكل من تثبت إدانته بارتكاب جرائم بيئية في لبنان وبشكل خاص في ملف النفايات.
وجاء قرار المحامين بالتوجه الى المحكمة الدولية البلجيكية وبحسب ما أدلى به المحامي عباس سرور لـ greenarea.info، فقال: “كون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان معطل ولا يوجد مرجع قضائي لمحاسبتهم ، لم يعد أمامنا كمحامين مستقلين سوى اللجوء لدول أعطت محاكمها حق ملاحقة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم بعد أن أدرجتها في إطار الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، بمعزل عن الدولة التي حصلت فيها هذه الجرائم أي مكانها وهوية المجرم “.
وأضاف سرور بأن “تكلفة الدعوى التي سيتكبدها المحامون وهي ثلاثون ألف يورو، وفي حال عرض تقدمة أي دعم مادي لتغطية تكاليف المتابعة والقضية فيفترض أن لا يكون مشروطا”.
فرنسيس: إنزلاق كواسر الموج
وكان الصياد وصاحب مراكب صيد عدة في ميناء الدورة وسام فرنسيس، قد زودنا في greenarea.info بعدة فيديوهات صورها خلال العاصفة وبعدها.
وقال: “إن محتوى الفيديوهات وكما سترون، يظهر انجراف النفايات إلى البحر والميناء، ويظهر أيضا إنزلاق كواسر الموج في أماكن عدة في محيط المكب، مما يثبت عكس ادعاءات المستميتين بالدفاع عن المطامر”.
مسلم: كارثة الكوارث
أما الصياد ريمون مسلم، فأشار إلى “أنها كارثة الكوارث”، لافتا إلى أن “الصيادين منقسمون، فبعضهم من ارتضى السكوت لقاء بعض المال ووعود بالتعويضات، فيما البعض الآخر لم يرض”.
وأكد أن “البيئة البحرية في محيط المكب بحالة كارثية”، لافتا إلى أن “النفايات في القعر أكثر بكثير مما شوهد على الشواطئ”. وأضاف مسلم: “نحن الصيادون الفقراء دفعنا الثمن غاليا، وغلتنا بدلا من أن تكون من السمك فأصبحت نفايات”.