تَسَرب الى العَلن إحدى عشرة صفحة فقط، من أصل الصفحات الخمسين التي تؤلف استراتيجية الدفاع القومي، للولايات المتحدة الأميركية، والتي أعلنها وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، قبل أيامٍ قليلةٍ.
وكان لافتاً للنظر، أن تلك الاستراتيجية، لم تشر لا من بعيد ولا من قريب إلى قضية التغير المناخي، وهو الملف الذي كان يعتبره الرئيس السابق باراك أوباما جزءاً من الأمن القومي الأميركي، فيما يعتبر الرئيس الحالي “ترامب” أن كل عملية التغير المناخي ماهي إلا كذبة. وكان ترامب قد قرر انسحاب بلاده من “إتفاقية باريس” حول المناخ التي وقعتها 200 دولة تقريباً، قائلاً : “تمثل الاتفاقية إعادة توزيع ثروة الولايات المتحدة لصالح دول أخرى”.
ولم يكتف ترامب بذلك بل أصدر بعدها المرسوم المعروف باسم “إستقلالية الطاقة” والذي يعلق العمل بجملة من الإجراءات التي أقرها أوباما، أو ماعُرف يومها بـــ “خطة الطاقة الخضراء”، والتي تهدف الى التقليل من إنبعاث الغازات السامة في الغلاف الجوي لكوكبنا، وذلك إلتزاماً بالتعهدات المنصوص عليها في إتفاقية باريس.
وتكيل استراتيجية الدفاع القومي، للولايات المتحدة الاميركية، الإتهامات لكل من روسيا،الصين،إيران، كوريا الشمالية (كلها دول أعضاء في إتفاقية باريس للمناخ) وتشير تلك التهم إلى أن هذه البلدان تشكل خطراً على البشرية، بحجة امتلاكها أسلحةً نووية.. ولكنها لم تقل لنا، تلك الاستراتيجية، والتي جاءت مرادفة بالضرورة، لما سمي بــ “استراتيجيته للأمن القومي”، المقدمة من قبل الرئيس الأميركي، الشهر الماضي، في ما إذا كانت الغازات السامة التي تبثها الشركات الأميركية العملاقة (15% من غاز ثاني أكسيد الكربون، وحده، على مستوى العالم) تشكل خطراً على هذه البشرية،أم لا؟
وهل الأمراض التي تركها تدخل بلاده في بلدان مثل بنما، هايتي، افغانستان، العراق، ليبيا واليمن، تشكل جزءاً من ذاك الخطر ؟
وهل تشكل النفايات النووية التي تدفنها حكومته في صحاري العالم، خطراً على الكائنات الحية، والبيئة عامةً، أم لا؟
وهل تعتبر صفقات السلاح التي تبيعها للحمقى من داعمي الإرهاب، الذين حاولوا إركاع سوريا، عبر تدمير بنيتها التحتية وكسر إقتصادها، نوعاً من الأخطار التي يتحدثون عنها؟
لقد ترك الغزو الأنغلو- أميركي، للعراق، كارثةً إنسانيةً فظيعةً، وكانت حجتهم، يومذاك، أن صدام حسين يمتلك كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، ليتضح بعد عشر سنواتٍ من الحرب، أن كل ذلك كان كذبة مفبركةً بالتعاون بين أجهزة الإستخبارات الأميركية، ومجموعة “أريفا Areva” النووية الفرنسية العملاقة، التي ما تزال تتستر على مناجم اليورانيوم “كوميناك” في النيجر، واليوم يتسترون على فصائل الإرهاب في سوريا، التي تستخدم السلاح الكيماوي، لا بل وتنتج بعضها الاسلحة الكيماوية، بحسب تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال مؤخراً : “المسلحون(في سوريا والعراق) لا يستخدمون المواد الكيميائية السامة فحسب، بل يمتلكون تقنيات وقدرات إنتاجية خاصة بهم لإنتاج مواد سامة، وأقاموا قنوات متفرعة للحصول على مكوّناتها.”
قبل ذلك، وفى السياق ذاته، كان تقرير “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” الذي صدر فى 24 حزيران/يونيو 2014 ، قد حذّر من كارثة بيئية قريبة، ستواجهها سوريا والعراق والدول المجاورة، بسبب إستمرار النزاع المسلح فيها، وأكد التقرير، حينها، أن الكارثة البيئية قد تكون الأسوأ خاصةً فى سوريا التى امتدت فيها الآثار السلبية للنزاع إلى تهديد معظم الحياة البرية بالانقراض، نتيجة نزوح حوالى ستة ملايين إنسان داخلها ، واعتماد جزء كبير منهم على صيد الحيوانات التى كانت الدولة تحميها ضمن محميات بيئية، كما حذّر التقرير من خلق جيل مشوه من الاطفال في سوريا، بسبب انتشار الأمراض خاصة الملاريا وشلل الأطفال كنتيجة مباشرة لتلوث الماء والهواء والتربة.
نعم أنتم تدمرون قبل إصداركم لاستراتيجية القتل السوداء، كل البشرية ومن ضمنها الحياة الطبيعة في سوريا.
تدمرونها عندما تهجّرون العنصر الأساس للخلية الأولى” الأسرة” في المجتمع السوري.
وعندما تسلّحون الأطفال وترسلونهم إلى ساحات المعركة.
تدمرونها، عندما تلوثون مياهها وهواءها وترابها، ناشرين الأمراض القاتلة. وعندما تساعدون في نهب ثرواتها الباطنية وتشوهون آثارها.
عندما تشرّعون تجارة الأعضاء البشرية، وتساهمون في عودة تجارة الرقيق.
عندما تفرضون عليها عقوبات إقتصادية، جل ضحاياها من الأطفال، والنساء والمرضى.
عندما تدسون السم في العسل، بنشركم للجهل والتخلف، مكان العلم والتقدم، بحجة “العدالة، حقوق الإنسان، الديمقراطية والحضارة”.
تدمرونها باستيلائكم على الأراضي بحجة إقامة مشاريع استثمارية ضخمة ( فقاعات البنك الدولي) ، التي تودي بالموائل البشرية والطبيعية.
تقومون بتدمير الحضارة عبر جرائم إبادة وتهجير السكان الأصليين(أشور، سريان، كلدان).
عندما ينتج عن حربكم ملايين الأطنان من النفايات (الصلبة والسائلة)،ستتسبب بكارثة بيئية حتمية .
جميع البلدان التي تتهمونها بأنها خطر على البشرية، ماهي إلا صديقة الشعوب، ومنها الشعب السوري، الذي يرى، جلياً أن المستفيد الوحيد من كل هذا الدمار، أينما كان، هم تجار السلاح والشركات الراسمالية العملاقة، في بلدان الاستعمار الجديد، التي ترسم مخططاتها اليوم للمشاركة في “عملية إعادة الاعمار” وإن بإيدٍ خفيةٍ.
لذلك، نقول إرفعوا أيديكم عن الانسان والطبيعة في بلداننا، ونحن بألف خير.