لا تقتصر مواجهة الاحتلال، أي احتلال، على التصدي عسكريا للظلم والتنكيل فحسب، وإنما ثمة أشكال عدة للمواجهة، أساسها العلم والإبداع ومواكبة التطور في شتى الميادين، وهذا ما نتعلمه اليوم من فلسطين، وهي، رغم القمع والاضطهاد تمكنت من تبني الطاقة المتجددة في الكثير من المشاريع العامة والخاصة، وهي أكدت حضورها في مؤتمرات المناخ، ودائما ما يطالعنا طلاب وخبراء مبدعون بما لا يخطر في بال، ولا سيما في مجال الاستدامة وتبني مشاريع بيئية وصولا إلى الترويج للسياحة الخضراء.
ما يسترعي الانتباه، أن طلابا ابتكروا سيارة تعمل على الطاقة الشمسية، وقبلها بنى فلسطينيون زورقا من بقايا عبوات البلاستيك، وفي أوج الحصار الذي تعرضت له غزة اتجه المواطنون نحو الطاقة المتجددة لتأمين التيار الكهربائي، فضلا عن أمثلة كثيرة تؤكد إرادة الصمود بكافة أشكاله وتجلياته.
متحف بيولوجي
ما استوقفنا في هذا المجال، ما تناقلته وسائل إعلام فلسطينية أشارت إلى أن باحثة فلسطينية تسعى إلى افتتاح متحف بيولوجي لحفظ الكائنات الحية هو الأول من نوعه في قطاع غزة”.
والمتحف البيولوجي، هو عبارة عن مشروع رائد للباحثة رويدا عامر، خريجة “جامعة الأقصى” المتخصصة في علوم الأحياء وأساليب تدريسها، ويهدف إلى حفظ التاريخ الطبيعي للكائنات الحية والاستفادة منها.
وتبلورت فكرة المشروع من حاجة الطلبة والرغبة في مساعدتهم على فهم مادة الأحياء بجميع مراحل الدراسة.
وأكدت عامر في حديث خاص لـــ “مرصد المستقبل” mostaqbal.ae الإماراتي على أن “مادة الأحياء مطواعة يمكن الخروج منها بأفكار إبداعية مميزة، من بينها حفظ التاريخ، ما دفعني للتخطيط للمشروع، الذي يحتاج لاحتضان ورعاية لتنفيذه على أرض الواقع”.
مجاراة التطور
وقالت عامر إن “الأراضي الفلسطينية تفتقر لمتحف بيولوجي، ولا يوجد مكان متخصص له، إن وجود متحف بيولوجي في فلسطين بات ضرورة لمجاراة التطور العلمي والتقني، وليكون مقرًا يجتمع فيه الطلبة والباحثون من فلسطين وخارجها”.
واستعانت عامر بتقنية التحنيط لإضفاء مزيد من الواقعية على مجسمات الأحياء، لتستخدمها كوسائل إيضاح في جولاتها الميدانية على المدارس.
وطورت عامر فكرة المشروع بإدخال بعض التقنيات، كتزويد مجسمات الحيوانات المحنطة بأجهزة صوتية تعمل بمجسات خاصة، عن طريق تسجيل صوت طفلةٍ من المتدربين، تزوّد رواد المتحف بمعلومات علمية عن الحيوان المُحنط، إذ يعمل الجهاز الصوتي بشكلٍ تلقائي بعد أربع ثوانٍ من وقوف الشخص أمامه.
ونجحت الباحثة في تجميع عينات من الكائنات الحية من فلسطين والخارج، لتوفر ورشاتها التعليمية معلومات وافية عن كل عينة.
وخصصت عامر جزءًا من مشروعها لعرض الأعمال التي ينجزها الطلبة خلال فترة تدريبية تمتد أكثر من شهرَين.
وتقوم فكرة معرض الطلبة العلمي الذي أطلقت عليه عامر اسم «متحفي الصغير» على عرض منتجاتهم في حفظ التاريخ الطبيعي للكائنات الحية؛ كتحنيط الحيوانات وتجفيف النباتات وتصبير الحشرات وكبس الأسماك (تقنية خاصة بتحنيط الأحياء البحرية). ويتضمن المعرض أيضا أجهزة إلكترونية، كجهاز أذنٍ إلكتروني يوضح عملية السمع بالكامل.
جملة صعوبات
وتأمل عامر أن يكون مشروعها نواة لمتحف متكامل للأحياء، لا يقتصر وجوده على الأراضي الفلسطينية، لتنفذ مشاريع مشابهة في دول أخرى في العالم العربي.
وقالت عامر إنه “على الرغم من ضعف التمويل بدأنا بوضع النواة الأولى للمتحف، وطبقنا ورشات عملية في مخيمات صيفية للطلبة في قطاع غزة”.
وأضافت إن “هاجسنا الآن إبقاء الفكرة حية وصمودها في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة لقطاع غزة، إذ أن أصداء المشروع كانت إيجابية في أوساط المدرسين والطلبة”.
وأكدت عامر على أنها نشرت تدريباتها بين أكثر من 150 طالب، خلال شهرٍ واحد، بواقع 60 ساعة تدريبية، وتخصص في هذا المجال فريق من الطلاب تتراوح أعمارهم ما بين 9 إلى 15 عاما.
وأشارت عامر، البالغة من العمر 26 عاما، إلى وجود جملة صعوبات تقف عائقا أمام استمرار المشروع وتطويره، أبرزها التكلفة العالية، وغياب ثقافة دروس الأحياء العملية في المدارس، وقلة العينات، إلا أنه قد يوفر فرص عمل لكثير من الخريجين الجامعيين، وفقا للمصدر عينه.