خير الأمور أوسطها، إذ يبدو أن كثرة تساقط الأمطار لا تفيد مدينة البندقية الإيطالية، وبالتالي فإن إرتفاع درجات الحرارة بشكل كبير يهددها أيضاً!
فمنذ أعوام وأجراس الإنذار تقرع تحذيراً من غرق المدينة التاريخية نظراً لارتفاع مستوى مياه البحر وانخفاضها بمعدّل ميليمترين في السنة، وصولاً إلى توقّع اختفائها بعد 100 سنة إذا بقيت وتيرة ارتفاع نسبة المياه مستمرّة.
الدراسة نفسها أكّدت أن المدينة أصبحت تميل إلى جهة الشرق وقال الباحث في معهد “كريبس” لعلم المحيطات في كاليفورنيا، إيهودا بوك: “يبدو أن البندقية تواصل الهبوط، بمعدل حوالي ميليمترين في السنة”، لافتا إلى أنه تأثير بسيط، لكنه مهم” وأشار إلى أنه إذا استمر ارتفاع مستوى المياه في بحيرة البندقية بالمعدل نفسه فإن المدينة ستهبط بمعدل 0.08 مترا إلى المحيط بحلول العام 2023. وقال الخبراء أن البندقية والكثير من المدن الإيطالية المتواجدة على ساحل البحر الأدرياتيكي عرضة لخطر الزوال معا في حال استمرت مستويات البحر في الارتفاع.
إلى هنا انتهى التحذير، وإذ لم يعر بعض العلماء الموضوع أهميّة كبرى، أتت الأنباء الأخيرة لتجعل الأمور غريبة بعض الشيء في ما يخصّ مستقبل مدينة البندقية الشهيرة، وفي حين كانت معرّضة للغرق منذ سنوات، جفّت شوارعها اليوم!!
فقد تحدثت تقارير ال”بي بي سي” عن إختفاء مياه شوارع مدينة البندقية الإيطالية، أما السبب فهو انخفاض نسبة المتساقطات كما الحد من عملية المد والجزر للعام الثالث على التوالي ، الأمر الذي تسبب بجفاف الممرات المائية بين جزر البندقية وتحولها إلى ممرات طينية لا تسمح بمرور زوارق الجندول التي تشتهر بها. وذكرت التقارير أن الطقس البارد تسبب في انخفاض الممرات المائية بنسبة تصل إلى57.5 سنتيمترا في بعض الحالات.
في المقابل، وفي بحث بانورامي حول المخاطر التي تهدد المدينة العائمة، فضلاً عن التناقض في ما بين التحذيرات من آثار التغيّر المناخي، ذكرت دراسة بريطانية تعود الى عام 2001 أن ارتفاع حرارة الأرض يؤدي إلى تقليل مخاطر ارتفاع مستوى مياه البحر والأمطار الغزيرة في مدينة البندقية. وقالت الدراسة إن الأمطار الغزيرة كانت تهطل بوتيرة أكبر في القرن العشرين وكانت تسهم في زيادة المخاطر في المدينة منذ الستينيات. الباحثان اللذان قاما بالدراسة، من جامعة ويست إنغليا تريفور ديفيس وإيزابيل تريغو اكتشفا أن التغير المناخي أدى إلى تغيير مسار الضغط الجوي على المستوى المحلي مما يقلل مخاطر العواصف فوق البحر المتوسط.
بين هذه الدراسة وتلك الأخرى، تبقى المدينة العائمة تائهة بين نسبة ارتفاع درجة الحرارة من جهة وزيادة كمية المتساقطات من جهة أخرى، أما الثابتة الوحيدة فهي خطورة التغيّرات المناخية وقدرتها الرهيبة على تحويل مسار حياة بيئية بأكملها!!