في رصد لقناديل البحر للعام الثاني على التوالي، بدا واضحا أن غزوها شواطئنا من الشمال إلى الناقورة جنوبا في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، لم يعد مجرد ظاهرة، ما يعني أن ثمة عوامل وراء انتشارها لأعوام تواليا، وفي الفترة نفسها، أي في الشتاء، فيما هي تظهر غالبا في فصل الصيف من حزيران (يونيو) حتى آب (أغسطس).

وعاد الصيادون ومرتادو البحر للحديث عن تكاثر هذه القناديل شتاء، لا سيما وأن أعدادها كبيرة، وحلت في غير موعدها المفترض، بالرغم من برودة الطقس من جهة، وبالرغم من أن موسم الصيف والحر القائظ ما زالا بعيدين من جهة ثانية.

 

ظواهر لا عهد لنا بها من قبل

 

وعادت هذه الظاهرة لتثير مع بداية الشهر الجاري الكثير من التساؤلات، لكن دون إجابات واضحة ومحددة حيال انتشارها بكثرة في هذه الفترة من هذا العام، وإن كان هناك احتمالا لا يمكن إغفاله وللعلماء فقط تأكيده أو نفيه، ألا وهو الاحتباس الحراري الذي بات حاضرا بقوة في كل ما نشهد من ظواهر لا عهد لنا بها من قبل.

لا بد من الإشارة إلى أن القناديل الوافدة تتسم بأحجام كبيرة جدا وأخرى صغيرة جدا، والمسألة ليست بالأحجام ، فلكل نوع من الكائنات الحية حجم ، أما بالنسبة لتزايد أعدادها يأتي نتيجة تكيفها مع الظروف الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية المتوفرة في كل بحر وغياب المفترس الطبيعي لها قد يكون من الأسباب المهمة ويؤخذ بعين الإعتبار درجة الحرارة والتيارات وغيرها …، وقد بدأت وتشكل عبئا على الصيادين كونها تعيق حركتهم وتؤثر على شباكهم وتعلق بها، وتتسبب أحيانا بانقطاع متكرر في التيار الكهربائي، بحيث تجذبها تيارات البحر إلى محطات توليد الطاقة، دون أن ننسى مدى إزعاجها لممارسي هواية الغطس ومرتادي البحر شتاء.

received_1533363380048390

باريش: تغيير المناخ

 

في هذا السياق، حدد أخصائي البيولوجيا البحرية والحيوانات الغازيه البروفسور ميشال باريش لــ  greenarea.info نوع القناديل المنتشرة هذه الأيام على الشاطىء اللبناني، فقال بأنها “من نوع Rhopilema nomadica، وتظهر عادة في فصل الصيف من حزيران (يونيو) حتى آب (أغسطس) ومجموعات قليلة منها في الشتاء”.

وقال: “يبدو أن فصل تواجدها أصبحت مدته أطول بسبب تغيير المناخ، لذلك بدأت تأتي بوقت مبكر وترحل بوقت متأخر لنفس السبب”، لافتا إلى أنه “لا تتوجه نحو الشواطئ من تلقاء نفسها بل يدفعها التيار باتجاهه، وهي تتغذى على بيض السمك وبزرته وبعض الكائنات الصغيرة”.

 

 

جميع القناديل تلسع وسامة

 

وأشار البروفسور باريش إلى أن الاسم العلمي للقنديل المنتشر بكثرة الآن Rhopilema nomadica، ويعني أنه كثير الترحال كالجمال في الصحراء، أما قناديل البحر عموما، فتنتمي إلى مجموعة القارصات ولسعتها سامة جدا، تسبب ألما يشبه ألم الحروق، كما تسبب احمرارا في الجلد يدوم ساعات عدة، وفي اصعب الحالات تتسبب ببثور وارتفاع في الحرارة، وهذا يعتمد على عدد الخلايا اللاسعة التي اصابت الانسان، كما يعتمد على مدى حساسيته، والمكان المصاب.

وقال: “بغض النظر عن حجمها جميع القناديل تلسع وسامة، ولكن بعض الأنواع لا يمكنها أن تلسع الإنسان وتخترق جلده، لكنها تصطاد وتقتل الحيوانات الصغيرة واليرقات عبر لسعها، وبالنسبة إلى الإنسان، فالأمر يتوقف حسب اللسعة، وحسب الشخص وحساسيته، وأغلب الأشخاص يتحملون جيدا السم، ولكن بعضهم يضطرون للعلاج في المستشفى ويمكن أن يتعرضوا للموت، كما هو الحال بالنسبة للسعات النحل”.

وقال باريش: “تتسم القناديل بخاصية معينة، فدورة حياتها يجهلها الكثيرون ومراحلها ثابتة، مرحلة (البوليب) الذي يتكاثر بطريقة الانقسام، ومرحلة الانتقال الى قنديل بحر كامل. يتم الإخصاب بين جنسين منفصلين عن بعضهما وخلايا الحيوانات المنوية والبويضة تنبعث نحو الماء ثم تنقسم البويضة المخصبة، وتشكل يرقة لديها القدرة على السباحة حتى تلتصق بقاع البحر، يبدأ في هذه المرحلة بتغيير مبنى جسمه وببناء أذرع الصيد ثم يصبح البوليب (سليلة) ينمو ويتغذى على كائنات صغيرة مثل العوالق، وفي ظروف بيئية ملائمة ينقسم البوليب بطريقة أفقية وينفصل عنها القنديل على شكل جرس صغير لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. في هذه المرحلة ينطلق في البحر يسبح ويتطور ليصبح قنديلا كاملا خلال اسابيع، فيصل الى مرحلة البلوغ ويتكاثر جنسيا، ويعيش قنديل البحر بعد التكاثر بضعة اشهر ثم يموت”.

 

الخلايا اللاسعة

 

وأشار باريش أيضا إلى أن “القناديل المتنقلة هي ليست سوى جزء من الغزو لمئات الأنواع الآتية من البحر الأحمر في أواخر سنة 1970، استقرت في المتوسط وتكاثرت بسرعة”، لافتا إلى أن “هذه القناديل تكون ملجأً آمنا لبعض الانواع من الاسماك (مثل التريخون الاصفر) التي تختبئ بين الخلايا اللاسعة تحسبا من مهاجمة اسماك اخرى لها، وجسم القنديل هو عبارة عن كيس شفاف يشبه المظلة أو الجرس، لا رأس له، في أطراف المظلة أو الجرس أعضاء تجعله بحالة توازن، قد يصل قطر المظلة لهذا القنديل حتى متر تقريبا، أما حركته فهي سريعة”.

وأضاف: “تتواجد الخلايا اللاسعة على ظهر أذرع الصيد، لذلك أفضل الطرق لتلافي لسعاتها هي انتشالها بواسطة الشبكة، ومن الضروري جدا عدم تفتتيتها وقتلها في الماء بواسطة سكين او بطريقة أخرى، لأن هذه الطريقة تجعل الخلايا اللاسعة تنتشر بشكل خيطان في الماء الذي يصبح قارصا، وكذلك الامر بالنسبة للشباك التي تضعها المسابح، ففي حال انجراف القناديل مع التيارات باتجاه الشباك سيؤدي ذلك الى تمزقها وانتشار المادة اللاسعة في الماء”.

وختم: “إن القناديل سميت بهذا الاسم نسبة لأحد أنواعها الموجود في بحرنا والتي تعطي ضوءا في الليل”.

ظهور أسماك جديدة

 

وهذا ما أكده  الغواص   لـ greenarea.info، حسين نور الدين ، أشار إلى أن القناديل ظهرت قبل عدة اسابيع من اليوم في بحر صور قائلا :” استغرب هذه الظاهرة التي أصبحت تتكرر عاما تلو عام في الشتاء وفي نفس الوقت تقريبا من السنة “.

وأضاف: “بدأ يساورنا القلق من كل ما نشهد من تغيرات في بحرنا، والآن كل خوفنا أن نخسر مواسم من أنواع السمك التي يعول عليها الصيادون في الحصول على رزقهم وتأمين لقمة عيش كريمة لهم ولأولادهم”.

وأشار الناشط سيمون حريبة قبل أيام إلى أن انتشار القناديل في بحر جونية والضبية كان لافتا وقد تكررت هذه الظاهرة ولا نعرف اسبابها بعد ، وأضاف أن “مواسم بعض الأنواع من الأسماك تراجعت بسبب تغير الطقس والصيد بالديناميت وجواريف البر وتلوث البحر بالنفايات والصرف الصحي بالاضافة الى التسرب النفطي الذي يحدث كل مدة ، لما أن ظهور أسماك جديدة قد يؤدي الى تراجع الأسماك المعروفة”.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This