لا يوجد عاقل يستسهل إيجاد حل سريع أو مباشر للمعضلة الإقتصادية اللبنانية، واستطراداً المعضلتين المالية والنقدية! ولكن لا يوجد عاقل ايضاً يعتبر أن حل هذه المعضلة بات مستحيلاً أو ضرب من ضروب الخيال.
بين هذا وذاك، تنقلب أدوار وتختلط مواقف، وتصبح العلاجات أو المسكنات بنظر البعض هي سبب العلة ومكمن الداء، ويتحول ضحايا السياسات المدمرة الى جلادين ومسببي الكوارث، بنظر المستفيدين، وبعض الضحايا أنفسهم.
علة الإقتصاد اللبناني هي نفسها علة النظام اللبناني !!
كيف يطلب الى أهل النظام تغييره وتغيير أنفسهم ؟ والنتيجة انه بعد حوالي ٢٩ عاماً على اتفاق الطائف وتحوله دستوراً للبلاد، لم تنشأ الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ولم تترجم التقسيمات الإدارية، ولم يولد القانون الإنتخابي المنشود، رغم التقدم الجزئي المسجل اخيراً بعد تمديد سنوات للمجلس النيابي الحالي.
في الإقتصاد نفس المشكلة، كيف يطلب لأصحاب المصالح المرتكزة على الإحتكار والمحاصصة إلغاء احتكاراتهم وتوزيع محاصصاتهم ؟
كيف يطلب فعلاً إجراء مناقصات طبيعية وشفافة في وقت تذهب هذه المناقصات الى أركان في السلطة أو الى شركائهم في اقل تقدير ؟
موسم انتخابي _ وليس موعد انتخابات دوري _ هو الآن اي أن لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات، وضرورة ربحها، مع ما يعنيه من إنفاق وتوزيع منافع، وسط شحّ مالي خارجي غير مسبوق ما يجعل الداخل المصدر الأول للتمويل.
كيف يستوي هذا الأمر مع قرار بالإصلاح، وترشيد الإنفاق وضبط الهدر ووضع الأولويات ؟!
تأجيل مسيرة الإصلاح وربطها بنتائج الإنتخابات امر مكلف ومحبط ويزيد الخسائر ويرفع كلفة التصحيح اذا بقي متوفراً .
قرار المقايضة على غض النظر بين بعض المناقصات و”الطراوة ” في بعض المواقف السياسية وعدم الإعتراض على ذلك، لا يساهم بالحل ولا يسهّله، بل يرفع الكلفة ويوسّع دائرة الفاسدين والمستفيدين، حتى ولو أن البعض لم يتورّط مباشرة.
قرار تبرير استنساخ نموذج سابق في المقاربة الإقتصادية بحجة أن الآخرين فعلوا ذلك “وهذا حقنا”، يعني تقليص دائرة الإصلاحيين ومشاركة الفاسدين والاسوأ التقارب مع خياراتهم.
لا يحتاج الإنقاذ الى معجزة أو عبقرية، بل قرار وإرادة وإدارة تنطلق من استحالة استمرار استباحة القانون والدستور والبديهيات، وكذلك استمرار الإحتكارات والمحاصصة.