في متابعتنا للظواهر البحرية، غالبا ما تراودنا الكثير من التساؤلات والهواجس، خصوصا مع استمرار التلوث الناجم عن الصرف الصحي والنفايات العضوية والصناعية ومخلفات رواد البحر، ولذلك نبقى متيقظين لمعرفة العوامل التي أدت إلى تشكل هذه الظواهر، والوقوف على أسبابها، لا سيما وأن أي رصد لظاهرة ما، يتناقله المواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض من غير ذوي الخبرة والاختصاص يطلقون أحيانا أحكاما تجافي الواقع وتثير الذعر لدى المواطنين.
هذا ما حصل مع ظاهرة تَـــلوُّنِ البحر عند أحد الشواطىء في مدينة جبيل، فبدت المياه صفراء، وفي مثل هذه الحالات ثمة عاملان، إما أن تكون هذه الظاهرة طبيعية، ولا تترتب عليها أي تبعات خطيرة، وإما أن تكون ناتجة عن تكون طحالب سامة، وهذا ما يتطلب فحص عينات من المياه قبل إصدار أي استنتاج متسرع.
مارتين زعرور
وفي التفاصيل، وثقت هذه الظاهرة الشابة مارتين زعرور قبل نحو يومين، عندما كانت تمارس هواية السباحة فاستغربت الأمر، وبادرت للتو إلى تصوير شريط فيديو والتقاط بعض الصور، بعد أن استوقفها من بعيد اصطباغ مياه البحر باللون الاصفر.
وتابعت زعرور الظاهرة لحظة بلحظة، وهي تقترب من الشاطىء قبل أن تختفي نهائيا مع تكسر الموج على الرمال، وأرسلت شريط الفيديو لـ greenarea.info.
عبود أبي صعب: ظاهرة طبيعية
وبدورنا تواصلنا مع الخبيرة والباحثة في علوم البحار الدكتورة ماري عبود أبي صعب، وكانت علم بحدوث هذه الظاهرة وتابعتها، إذ تمكنت من الحصول على عينة من المياه تم حفظها في ثلاجة، وفي اليوم الثاني أجرت عليها الفحوصات المخبرية فتبين لها أنها ظاهرة طبيعية.
وقالت لـ greenarea.info: “يبدأ طلع الأشجار (حبوب اللقاح) في فترة الربيع وينتشر في طبقات الهواء، خصوصا في المناطق القريبة من البحر، إذ أنه يتساقط ويتجمع مع الرطوبة على سطح المياه، وكما هو معروف، يأتي التيار من الجنوب إلى الشمال، وحيث يكون هناك شبه خليج يتغير التيار ويدور كما دوران الساعة ويتجمع عندما يكون البحر هادئا، وعندما يشتد موج البحر، فإنه يمزج المياه مع الطلع المتجمع ومن ثم يختفي كل شيء، ويمكن أن نشاهد بعض البقايا على الصخور”.
وأضافت: “هذه ظاهرة طبيعية وتحدث بسرعة، ويتطلب رصدها أن يكون المرء منتظرا ومستعدا، وهي تحصل غالبا في فترة الربيع، أي مع بداية وتكاثر الطلع، كما أن هناك ظاهرة تكاثر بعض الطحالب وبعض أنواع “الهائمات النباتية” الـ (فيتوبلانكتون) Phytoplancton في الربيع، لانه في الربيع تكون هناك مغذيات موجودة في البحر، وهذه المغذيات مع الحرارة المرتفعة تؤدي إلى تكاثر لهذه النباتات بطريقة الانقسام، أي أن كل خلية تنقسم، بحيث أنه في يوم واحد قد تتولد آلاف وملايين الخلايا”.
وأردفت عبود أبي صعب: “إذا كان البحر ساكنا يمكن لهذه الخلايا أن تتراكم على سطح المياه، وأحيانا ينتج عنها ألوانا مختلفة، ممكن أن تكون خضراء أو صفراء، وهذه الخلايا يمكن أن تكون طبيعية، وممكن أن تكون من الأنواع السامة”، ونبهت إلى أنه “في مثل هذه الحالات يتوجب علينا فحص العينات لمعرفة ما إذا كانت ظاهرة طبيعية أو هي ناجمة عن وجود طحالب سامة”.