قبل ١٧ سنة كان من المحرمات الكلام او حتى الإشارة الى وجود أزمة اقتصادية في لبنان. التهمة كانت جاهزة ضد “القلة” المحذرة من المسار الانحداري، ومن تفاقم الدين! فمن يرفع الصوت هو “ضد إعمار البلد ويساري ضد التطور ويريد اعادة التخطيط الذي انتهى مع النظام الشيوعي “!
فجأة بعد زيارة رئيس البنك الدولي آنذاك جيمس ولفنسون في شباط ٢٠٠١، وحديثه من قلب قصر قريطم بأن الزورق مثقوب، تحول الخطاب الرسمي ولا سيما خطاب الممسكين بالاقتصاد وبالنهوض لدق ناقوس الخطر فجأة ولطرح شعار البلد في ازمة، وباتت المزايدة على أشدها. يومها بات من يتحدث عن فرص التصحيح، واساليبه متخلفاً بل المتهم بالدفاع عن الواقع المأزوم القائم.
ما أشبه اليوم بالامس، فجأة تحول الخطاب الرسمي نحو افلاس البلد، وبات من يقول بأن الوضع لم يصل الى هذا الحد، وان إمكانات التصحيح لا تزال متاحة، هو المتهم لا بل كانه المرتكب! الا ان التصحيح ممكن لان في البلد إمكانات ورافعات اقتصادية ومالية، لن تظهر الا توفر القرار والخيار المختلف عن استباحة المقدرات والاصرار على حماية الاحتكارات ولو على حساب ما ومن تبقى.
قبل ١٧ عاماً، استفاد أهل النظام ولا سيما من تسبب بالكارثة الاقتصادية من التهويل ليهرب الى الامام وليورط البلد اكثر ويطلق العنان لمشروعه دون اي رادع بحجة الدفاع عن مصالح الناس.
اليوم وسط التهويل بالإفلاس، يحاول أهل الافلاس انفسهم الاجهاز على البلد واستكمال ما تبقى من مشروعهم ببيع البلد بابخس الاثمان، وكل ذلك تحت عنوان إنقاذ الناس ولانهم دون غيرهم يملكون الحل. هذا الحل هو نفسه المعتمد منذ ربع قرن وأوصل لبنان الى هذا الدرك.
“إن لم تستح فافعل ما شئت”.. اصحاب المشروع على تنوعها ومن التحق بهم هم حقيقة من يسكنهم الافلاس الفكري، والاخلاقي والوطني والسياسي والاقتصادي وليس اقتصاد البلد او ناسه. رغم ان خطر الافلاس يصبح واقعاً، اذا استمر هؤلاء بخياراتهم القاتلة؛ او سمح لهم باستعمال هذا التهويل للانقضاض على فرصة الإنقاذ الجدية عبر اعتماد نفس الخيارات السابقة. وما ورقة مؤتمر باريس او سيدر المقترحة الا شكلا جديدا من الأشكال القديمة.
تطوران كبيران يؤشران لأمل جديد اعلان السيد حسن نصرالله عن دخول حزب الله وفق البرنامج الذي أعلنه الى قلب الموضوع الاقتصادي، وإعلان رئيس الجمهورية عن مقاربة مختلفة بعد الانتخابات النيابية لهذا الملف، وسط توفر عاملين كبيرين يسهلان المهمة في حال توفر القرار : الغاز والنفط من جهة وإعمار سوريا من جهة اخرى ، ولكل عامل شروطه الضرورية.
البلد ليس مفلساً وامكانات إطلاق طاقات اقتصاده كبيرة ومتوفرة شرط نزع الافلاس المتحكم في حاكميه.