تمنى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه الذي ألقاه أمام الكونغرس الأميركي بمجلسَيه، ومئات من نوابه وأعضائه، أن تعاود الولايات المتحدة الإنضمام إلى “إتفاقية باريس للمناخ” الذي انسحب منها الرئيس الأميركي “ترامب” غداة وصوله إلى البيت الأبيض.
ماكرون وفي إطار أمنيته تلك قال: نحن نقتل كوكبنا، علينا مواجهة ذلك، لا يوجد كوكب بديل، إلا أن ماكرون لم يذكر أن سوريا هي جزء من التنوع الحيوي الطبيعي على هذا الكوكب، وأن الإرهابيين الذين تدعمهم دول الإستعمار الجديد بما فيها بلاده(فرنسا)، تسببوا في دمار ما يقرب من 60 في المائة من الغطاء الأخضر في سوريا، واحرقوا ألاف الهكتارات من الغابات والمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة في سهل الغاب،الزبداني،غوطة دمشق ،سهل حوران وأرياف حلب والجزيرة السورية، كما دمّر هؤلاء الذين يستخدمون أسلحة مصنع في بلادكم يا سيد ماكرون (وفي بلاد ترامب وماي أيضاً) المحميات الطبيعية وتسببوا بتلويث الماء والتراب والهواء.
واعترف السيد ماكرون وفي خطابه ذاك، علناً بأن الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا، وجهت ضربة لتدمير المنشآت الكيميائية في سوريا، وشدد بعدها على أن بناء سلام دائم في سوريا الموحّدة أمر ضروري، ناسياً أو متناسياً أن مجلس الدفاع المصغر في بلاده، اتخذ في اليوم التالي للهجوم الكيماوي المزعوم، قرار القصف الصاروخي، قبل أن تصدر نتائج التحاليل المخبرية للعينات الوهمية التي حصلت عليها مخابراتهم (بالتعاون مع اسرائيل طبعاً)، ولم يذكر ماكرون في خطابه ،أن هناك ستة ملايين سوري شردتهم حرب لاتزال رحاها مستمرة منذ ثمان سنواتٍ، لم يذكر أن ثلاثة ملايين طفل حرموا من التعليم، وألاف المرضى ماتوا بسبب انعدام مقومات الحياة الصحية، في مناطق احتلها ماتسميهم الحكومة الفرنسية بـــ”الثوار” ومناضلين من أجل الحرية.
وتزامن خطاب الرئيس الفرنسي، المتناقض (يدعم الحل السلمي في سوريا ويعلن جهاراً أنه أقنع ترامب لابقاء القوات الأميركية في سوريا) مع مؤتمر عقدته ثمانون دولة في بروكسل تحت مسمى ” مؤتمر مانحي سوريا”، وصرحت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، “فيديريكا موغيريني”، في ختام المؤتمر، أن النتيجة الأهم في بروكسل تكمن في أن جميع الأطراف المشاركة فيه اتفقت على أنه لا حل عسكرياً للنزاع في سوريا، لكنها لم تكن تعرف أن جايمس ماتيس وزير دفاع “الولايات المتحدة الاميركية” أكبر المانحين في ذلك المؤتمر (بحسب مارك لوكوك نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية) سيخرج بعد يومين فقط ليقول: “أن قوات بلاده لا تعمل حالياً على الانسحاب من سوريا، وأن بلاده سوف تعمل على حشد المزيد من الدعم من المنطقة”.
ونسيت السيدة موغريني حين شددت على “أنه يجب العمل على ألا تصل أموال المانحين للنظام السوري”. أن مؤتمرهم ذاك لم يستطع جمع أكثر من خمسة مليارات دولار أميركي، وأن هذا المبلغ قد لايكفي لإعادة إعمار البنى التحتية في مدينة الرقة وحدها، التي دمرها الإرهابيون بتشجيع من دول الإتحاد الأوربي ذاته.
كذلك نسيت أن الاتحاد الذي تمثله هو من شجع “النفّيطة” على استخراج النفط من حقوله بطرقٍ غير شرعية ملوثاً الماءوالتراب والهواء السوري كله، وأن دولاً كثيرة أعضاء في ذلك الاتحاد، اشترت قطعاً أثريةً وهي تعلم أنها ملك الدولة السورية، وأن المساعدات الانسانية التي ارسلتها دول الاتحاد الأوروبي الى سوريا، لم تبلغ حتى يومنا هذا ثمن طائرة واحدة من الطائرات التي باعتها لقطر( فرنسا باعت 24 طائرة حربية من طراز رافال إلى قطر بقيمة 6.3 مليار يورو، عام 2015).
نسيت “موغريني” ونسيَّ “ماكرون” ، وهم يعلمون أن الرئيس المُختل “ترامب” لن يعود الى إتفاقية المناخ الموقعة في باريس (كونه يعتبر التغير المناخي كذبة اخترعتها الصين)، كما أنه لن يتخلى عن تجارة السلاح، وإبتزاز نواطير الكاز، ونهب الشعوب، وأن أخر همه الشان البيئي، كما أنهم تعرفون تمام المعرفة، أن الشروط التي يضعها الاتحاد الاوروبي ومعه الكونغرس الأميركي (رحيل الرئيس الاسد) للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، هي محض كذبة مكشوفة. فهم لن يعيدوا، لا بل لايهمهم، إعمار حجراً أو بشراً واحداً في سوريا.