من الملاحظ أن العناوين البيئية في الفترة الأخيرة باتت تأخذ حيّزاً مهماً من طاولات الحوار المنعقدة عالمياً، من برامج أفراد وأحزاب إنتخابية، فضلاً عن سياسات حكومية. لا يجب أن يكون الأمر مستغرباً بسبب النتائج الكارثية التي تسجّلها مختلف الفحوصات المخبرية التي تدلّ على مرض بيئتنا من هواء وتربة ومياه..
تترابط كل المواضيع البيئية في حلقة متراصة، وبينما يعالج مؤتمر بون للمناخ المنعقد في ألمانيا الإحترار المناخي، تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للتنوّع البيولوجي في 22 أيار من كل عام تحت شعارات متعددة توحّدت هذه السنة تحت عنوان ” إنجازات 25 سنة من العمل للمحافظة على التنوّع البيولوجي” .
مجرّد التمعّن بعنوان الإحتفال يتبادر إلى ذهن اللبنانيين السؤال عن وجود أية إنجازات في هذا المجال!!
مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند جورج متري يعتبر في حديث لموقعنا أن لبنان معنيّ بقضية المحافظة على التنوّع البيولوجي كونه موجود على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يميّزه بمناخ متوسطي ويغنيه بعدة أنواع من الحياة الحيوانية والنباتية بفضل تعدّد الوديان والجبال. فيشكّل لبنان موئلاً مهماً لتنوّع بيولوجي للأسف لم ترصد الأموال اللازمة للقيام بالدراسات اللازمة لمراقبة هذا التنوّع والحفاظ عليه.
بحسب التقارير الرسمية، يتحدث متري عن وجود 9116 صنفاً معروفاً في لبنان يشمل 4486 نوعاً من الحيوانات و 4630 نوعاً من النباتات.
لا يمكن تحديد دقة هذه الأرقام، فهذه الأخيرة مذكورة في التقرير الخامس الصادر منذ حوالى السنتين لمعاهدة التنوع البيولوجي الموقّع عليها لبنان عام 1992 والمقرّة بقانون عام 1994 . في المقابل، فإن الدراسات التي تجريها جامعة البلمند محصورة بالأنواع المهددة بالإنقراض خصوصاً في المحميات الطبيعية والمواقع الحساسة في المناطق الجردية.
في هذا الإطار، وفي ظل عنوان مرحلي لليوم الدولي ” إنجازات الحفاظ على التنوّع البيولوجي في 25 سنة” ، يفنّد متري فوائد التنوّع البيولوجي وضرورة المحافظة عليه.
يطرح التنوّع البيولوجي للمواطن والبيئة والبلد حسنات متعددة، أولها أنه يساعد على تأمين الإستهلاك الخاص للإنسان من الطعام وفي تدوير الغذاء ضمن الأنظمة الإيكولوجية، كما يساعد المواقع الطبيعية لأن تكون صحيّة من الناحية الإيكولوجيّة، فضلاً عن أنه يلعب دوراً مهماً في الدورة المائية والمناخية، وله دور كبير في تلقيح الزهور والنبات لتأمين استمراريتها.
في هذا الإطار، يستطرد متري للحديث عن أهمية النباتات العطرية والطبية التي يتمتّع بها لبنان والمهدّدة بالإنقراض بسبب استهلاكها غير المنظّم. وإذ يمكن تحديدها بـ 224 صنفاً ذو قيمة إقتصادية، تم تقييمها بحوالى 29 مليون ليرة في السنة.. وهو أمر قد يخسره لبنان في السنوات المقبلة في ظل غياب الإدارة والتنظيم.
مشاكل عديدة تهدّد هذه المنافع الناتجة عن التنوّع البيولوجي أهمها بحسب متري، خسارة المواقع الطبيعية وتشرذمها، تقطيع الغابات، شق طرقات … وبالتالي فإننا عندما نفصل المواقع الطبيعية عن بعضها البعض نعرّضها لعدم الاستمرارية.
الأمر الذي يهدّد التنوّع البيولوجي هو استهلاك الإنسان غير المنظم بشكل يفوق قدرة الطبيعة على تجديد مواردها، تماماً كصيد الطيور أو الضباع المهددّة بعض أنواعها بالإنقراض بسبب قلة الوعي، إضافة إلى قطف النباتات العطرية بشكل عشوائي.
التلوّث بكافة أشكاله، من مياه الأنهر إلى المستنقعات والبحار وصولاً إلى التربة والهواء.. كلها عوامل تساهم بشكل أساسي بحسب متري في تهديد التنوّع البيولوجي في لبنان. فالردميات التي تحصل على طول الشاطىء اللبناني تسبّب تلوّثاً كبيراً لدرجة تمنع بعض الأنواع من التأقلم. فضلاً عن أن التغيرات المناخية على فترة متوسطة وطويلة تشكّل خطراً كبيراً على أصناف عدة. فإذا ارتفعت الحرارة درجتين فقط، قد يخسر لبنان 40 في المائة من الأصناف الموجودة في السنوات الخمسين المقبلة، إذا استمرّت وتيرة الإهمال على هذا الشكل.
عن الحرائق، حدّث من دون حرج، فهي تقضي سنوياً على مساحات شاسعة من الغطاء الأخضر في لبنان، من الأحراج والموائل الطبيعية، وتساهم في فقدان أنواع من النبات لا تستطيع أن تجدّد نفسها. فضلاً عن الرعي الجائر الذي يجب تنظيمه لضمان استمرارية الغطاء النباتي في لبنان.
في هذا الإطار، يشير متري إلى أن نباتات لم تكن موجودة أساساً باتت تغطي مساحات شاسعة وتقضي على أنواع أخرى، كما أن قطف النباتات العطرية في بداية كل فصل ربيع من جذورها، مجزرة بكل ما للكلمة من معنى، فهي نباتات أساسية تستعمل للأكل والطعام نقضي عليها بتلك الطريقة دون أن نضمن ديمومتها، رغم وجود قوانين تحميها لكن المراقبة مفقودة.
في الحلول، تطبيق القوانين في رأس اللائحة، فيشير متري إلى أهمية تحديث تلك الموجودة لتواكب التحديات وإنشاء المزيد من المحميات الطبيعية التي لا تزيد مساحتها في لبنان 2,7% من مساحة البلد بحوالى 15 محمية، وبالتالي فإن الحفاظ على التنوّع البيولوجي يتطلّب زيادة عددها على الأقلّ إلى نحو 30 محميّة.
رغم أهمية السياحة الاقتصادية، إلا أن الأنشطة السياحية والإسكانية باتت تنعكس بشكل سلبي على التنوّع البيولوجي، فالشواطىء المستباحة تهدد الانواع البحرية والتمدد العمراني يقضي على الانواع البرية في حين أن التخييم في مناطق غير مخصصة له أيضاً يساهم في تراجع صحة البيئة وانهيار الموائل المخصصة لأنواع محددة من الحياة.
في السياق، التكاتف الجماعي بين المواطنين والمسؤولين هو الذي قد يؤدي إلى نتائج إيجابية في هذا المجال، وبالتالي على صعيد الوزارات، فإنه على وزارتي البيئة والزراعة زيادة عديد الأشخاص المولجين مراقبة تطبيق القوانين كمأموري الأحراج على سبيل المثال لا الحصر.
من جهة البلديات، يجب عليها الحفاظ على المواقع الطبيعية وعدم تحويلها الى مشاريع تضرّ بالتنوع البيولوجي. اما المسؤولية الاخيرة والأكبر فتقع بحسب متري على المواطن الذي عليه أن يحترم نفسه وبيئته في آن.
في ذكرى هذا اليوم العالمي، يشيد متري بإقرار مجلس الوزراء في الفترة الأخيرة استراتيجية وطنية للحفاظ على التنوّع البيولوجي، التي تحمل بين بنودها 18هدفاً ورؤية تستمر لعام 2030 ..
لكنه من خلال خبرته في هذا المجال يؤكّد ان أي استراتيجية موضوعة يجب أن يتم متابعتها وتنفيذها، وهذه المذكورة هي أولوية اليوم لأن ما نخسره من أنواع حية من الصعب استرجاعها بسهولة!