فيما تواجه أسماك القرش تعديات جمة وجملة افترءات من قبل مجتمع المواطنين والصيادين غير المطلعين على أهميتها، تقوم بعض الدول بحمايتها لإدراكها مدى خطورة البحار إن خلت منها، كما يجهد المجتمع المدني كجمعيات اهلية، فضلا عن منظمات دولية وحكومات لتقديم مطالعات علمية في هذا الخصوص تمكنهم من تمويل مشاريع ودراسات من شأنها حماية أسماك القرش، وتقديم بدائل للصيادين لفتح مجالات عمل جديدة، وتوفير فرص للبحث العلمي واختصاصات جديدة في الجامعات.
ما استوقفنا خلال الأيام القليلة الماضية، تجربة علمية فريدة من نوعها، قد تمهد السبيل لوضع لبنان على خارطة التنوع البيولوجي في المتوسط على مستوى أسماك القرش، وتفعيل السياحة البيئية، وتسهم في نشر الوعي حيال هذه الكائنات التي تسدي للنظم الإيكولوجية البحرية خدمات لا تحصى، تمثلت في تكريس التعاون في مجال البحث العلمي بين مدير برنامج إدارة المناطق البحرية الساحلية في “الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة” IUCN (المكتب الإقليمي لغرب آسيا) زياد سماحة ومدير “المركز اللبناني للغوص” يوسف جندي، بعد أن قررا الغوص سويا، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ووزارة الزراعة، والتعاون مع خبير علوم الاحياء البحرية في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور ميشال باريش، وذلك بعد أن تبلغ جندي من الصياد أحمد سليم عن وجود حوالي 35 سمكة قرش في بحر الغازية جنوب صيدا، وقد لاحظ وجودها الصيادون تجوب المنطقة.
بعد أن غاص الاثنان في الموقع، قام جندي بتصوير ثلاثة أسماك قرش بأحجام متفاوتة، وقال لـ greenarea.info: “لحظة شاهدتنا جابت الأسماك الموقع وحامت حولنا، لكنها لم تبدِ أي تصرف عدوانيا، ولم يشعر القرش بأي خطرٍ محدق به”.
أسماك مسالمة
وتابع جندي: “إنها لتجربة رائعة، والأجمل أن الصيادين هم من قام بإبلاغنا عن تواجدها في مكان معين، وهذا يشير الى وعي ملموس لديهم حول أهمية وجود هذه الكائنات وضرورة البحث في أسباب وجودها وحمايتها”، وأكد أن “وجودها ليس بجديد في بحرنا وهي مسالمة ولم تحاول مرة واحدة أن تهاجمنا، لا بل كانت تستطلع سبب وجودنا، بفضول يعتبر طبيعيا لأننا نحن من دخل بيئتها، ولذلك نطمئن الناس ومحبي البحر بأن لا داعٍ للخوف والهلع منها”.
الغوص بهدف علمي
من جهته، قال سماحة: “كان الهدف من الغوص مع القرش علميا بحتا، فهذه الحيوانات وجدت منذ اكثر من 400 مليون سنة وهي موجودة في البحر المتوسط وفي بحر لبنان، ونعلم عن وجودها في مناطق أخرى”.
ولفت إلى أن “اقترابها من الشاطئ هو دليل جيد على استعادة البحر لعافيته وعلى وجود غذاء لها وهي غير مؤذية، والانسان لا يدخل في قائمة غذائها”.
وتابع سماحة: “نعتبر هذه المنطقة محمية أمنيا لتواجد نقطة للجيش اللبناني فيها، إلا أن اللافت للانتباه في هذا الموضوع، هو الوعي الذي لمسناه لدى الصيادين والتعاون معنا وابلاغنا عنها، وهذه بادرة خير، علما انهم كانوا يصطادونها من قبل، ونحن على علم بوجود هذه الانواع من الاسماك، وكنا قد شهدنا حالات صيد كثيرة لها وبيع لحمها على انه من أنواع سمك أخرى لتلبية طلبات المطاعم”.
لحمه غير صالح للاستهلاك
وأردف سماحة: “يوجد عدد من الدول التي يُشكّل لحم سمك القرش، مصدراً أساسياً للبروتين، وقيمة اقتصادية كبيرة، إلا أن لحمه غير صالح للاستهلاك البشري، كونه يخزن كل المعادن الثقيلة داخل جسمه، مثل الزئبق والرصاص والفوسفور التي تؤدي الى الحاق الضرر بالمستهلك، كما أنه يخزن ايضا البول في جسده مما يمكنه من السباحة بشكل أفضل”.
نوع القرش
ويرجّح البروفسور باريش، بالاستناد إلى الصور التي التقطها جندي، أن يكون القرش من نوع Carcharhinus plumbeus، (الإسم العلمي sandbar shark)، وهو قرش موجود في كل بحار العالم، وفي محيطات الأطلسي، الهندي والهادئ من جهة الصين واليابان، وموجود أيضاً في البحر الأبيض المتوسط، في لبنان وسوريا وتركيا.
يتراوح طوله الكلي ما بين 150 و200 سم، ويصل في حده الأقصى إلى 300 سم، يتميز بقدرته على السباحة الطويلة التي تمكنه من الانتقال بسهولة من بحر الى آخر، وهو بيلاجي (يعيش في عرض البحر)، كما يعيش على أعماق تتفاوت ما بين 30 و300 متر عمق، وهو ينتشر في المياه المعتدلة والمدارية باستثناء شرقي المحيط الهادئ.
وهو وَلُود، إذ تلد الانثى كل سنتين إلى ثلاث سنوات ما بين 6 و18 مولود،ويقول باريش “هو موجود في بحر لبنان، إلا أعداده تضاءلت مع مرور الزمن، بسبب الصيد الجائر على أنواعه، ولا دليل علمي لدينا على ازدياد اعداده”.
يتغذى أساساً على مختلف أنواع الأسماك وأيضاً على أسماك القرش الصغيرة والشِّفينات وبعض اللافقاريات كرأسيات الأرجل والقشريات والسرطانات والصبيدج.
ويعتبر تواجد هذا النوع شائعا إلى عرضي في شباك الجرف، وخيوط الشِرك، والشباك المشربكة والمبطنة في شرق المتوسط وجنوبه، كما أنه مستهدف بشكل رئيس في تونس وليبيا ويعتبر مهدد بشكل كبير هناك.
السياحة البيئية
من المتعارف عليه عالميا أن وجود هذه الاسماك في البحر لا يشكل اي خطر على السياحة البحرية، بل على العكس نشهد توجها سياحيا من الاوروبيين خصوصا للسفر الى المناطق التي يمكنهم فيها ممارسة الغوص مع هذه الكائنات، وهذه السياحة تدر أرباحا طائلة، وبحسب سماحة فإن “وجود هذه الأسماك في بحرنا من الممكن إن تمت دراسته بشكل صحيح ودقيق أن يكون مؤشرا جيدا لمستقبل واعد لسياحة الغوص في لبنان، علما أننا لسنا أول من صور وغاص مع هذه الكائنات في بحرنا، إلا اننا نحتاج لدراسة أسباب تواجدها بشكل علمي موثق”.
وتابع سماحة: “إن اقتراب أسماك القرش من الشاطئ يعود عادة لسببين: إما للحصول على الطعام أو لوضع المواليد الحديثة، ولكننا لم نلحظ أي عملية تزاوج خلال الغوص، ويعتبر هذا النوع على شفير التهديد بالانقراض (vulnerabl) في العالم، بحسب تصنيف اللائحة الحمراء التي وضعها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN)”.
وأكد سماحة “اننا سنتابع عمليات رصد أسمال القرش دوريا للتأكد من أن وجودها ليس عابرا، ومعرفة ما إذا كانت قدمت إلى شاطئنا لتضع صغارها”، لافتا إلى “اننا بحاجة لدراسة موثقة، ربما تمكننا من وضع لبنان على خارطة التنوع البيولوجي على مستوى أسماك القرش في المتوسط، أسوة بتركيا وتونس”.