بعد أن أنتجت البشرية منذ ظهور تقنيات صناعة البلاستيك نحو ثمانية مليارات طن من هذه المادة، ينتشر ثلثاها على شكل نفايات في مدافن القمامة (المكبات) ومياه البحار والمحيطات، بدأت تتبدى أخطار البلاستيك، ذلك أنه غير قابل للتحلل في الطبيعة، ولذلكومن هنا، فإن القمامة البلاستيكية ستبقى موجودة على الأرض لمئات أو حتى آلاف السنين، ستبقى جزيئاتها متتسببة بتسمم الأسماك والطيور، وغالبا ما تكون أحد أسباب نفوقها.
أما على الصعيد المحلي في لبنان، فالشاطىء الممتد من الشمال الى الجنوب، فمعظمه متخم بمخلفات البلاستيك وجزيئاته التي تراكمت وتجمعت خلال سنوات طويلة، لتشكل تهديدا كبيرا، وتتحول إلى لدائن صغيرة.
البلاستيك دخل منظومتنا الغذائية
والجدير بالذكر أنه بالرغم من أزمة النفايات التي استعصى حلها على اللبنانيين حكومة ومؤسسات، لم تتحرك الى اليوم أي من الحكومات المتعاقبة لتفرضضع سياسات ضرائبية على من يتسبب في انتشار هذه النفايات ليتحمل أعباءها سواء كان المنتج أم المستهلك.
وبحسب دراسات عالمية أيضا، فهذه النفايات وجدت طريقها إلى موائدنا من خلال السلسلة الغذائية، عبر السمك وثمار البحر وصولا إلى الملح الذي يستخدمه كل الناس.
لسنا اليوم في وارد إشاعة الخوف بين المواطنين، فما وثقه الباحث والبروفسير في الجامعة الأميركية الدكتور ميشال باريش، يعتبر برهانا كافيا على أن البلاستيك دخل منظومتنا الغذائية، فقبل يومين وخلال رحلة صيد بحرية كان قد اصطاد “باريش” سمكة “تونا” كبيرة من نوع (Bluefin tuna)، ليفاجئنا بما وجده في أمعائها من نفايات بلاستيكية بأحجام صغيرة متفاوتة، وقد عرض صورها على صفحة “البحر اللبناني” Sea Lebanon في “فيسبوك”.
في دائرة الخطر
في هذا المجال، أشار باريش لـ greenarea.info إلى أن “المواد البلاستيكية لا تضر بالمشهد البحري فحسب، فالحياة البحرية باتت في دائرة الخطر، والتلوث الناتج عن الاستعمال الجائر للبلاستيك والتخلص منه بطرق غير آمنة خطر على حياة الكائنات البحرية والإنسان أيضا”، وكشف أن “اللدائن البلاستيكية الدقيقة وغير المرئية تسبب أضرارا اكبر للحياة البحرية، فأصغر الجسيمات البلاستيكية تؤثر سلبا على أكبر الحيوانات البحرية”.
كما أن مختلف أنواع الحيتان وأسماك القرش معرضة لخطر التلوث بالدقائق البلاستيكية، وهي جزيئات صغيرة غير مرئية من اللدائن تطفو على السطح في كافة محيطات العالم وليس في لبنان وحسب.
كما أكد باريش أن “المواد البلاستيكية تتفكك في أمعاء الكائنات البحرية من اسماك وسلاحف وغيرها، وتفككها ينتج موادا كيميائية تؤثر سلبا على هذه الكائنات لجهة تناسلها ونموها”. وتابع باريش: “إن المواد البلاستيكية العائمة تتكاثر عليها تقتات عليها الكائنات البحرية مما يعرضها لآثار جانبية سامة”.
الصناعات التدويرية
وما يجب الإشارة إليه هو أن الحيتان وأسماك القرش تشكل الركيزة الأساسية لأنظمتها البيئية، وسيؤدي انقراض هذه الحيوانات الكبيرة إلى تغيير هذه الأنظمة البيئية الحساسة إلى الأبد.
وقدر علماء البيئة أن ما لا يقل عن 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية سنويا تجد طريقها إلى المحيطات والبحار، ما يتسبب بالقضاء على النباتات والحيوانات المائية الفريدة، والإضرار بالثورة السمكية والسلسلة الغذائية، فضلا عن تلويث الشواطىء.
واكتشف باحثون صينيون أن الجسيمات البلاستيكية المجهرية موجودة في كل كيلوغرام من الملح، وأكدوا في دراسة أن كل إنسان يبتلع حوالي ألف حبة بلاستيكية صغيرة كل عام.
وتأتي تلك المواد البلاستيكية المتناهية الصغر من مصدرين رئيسيين، هما مواد النفايات البلاستيكية الكبيرة بما في ذلك الزجاج، وأكياس التسوق والنفايات الصناعية، فضلا عن الجسيمات الصغيرة التي توضع في مستحضرات التجميل، وتتسرب منها إلى الأنهر والجداول والبحار.
ومن المتوقع – وفقا لدراسات حديثة – أن يزيد وزن النفايات البلاستيكية في المحيطات، ولذلك يقترح الخبراء، ومن أجل منع هذا الازدياد في كمية النفايات، توسيع قطاع الصناعات التدويرية التي تعتبر النفايات البلاستيكية المادة الخام التي تعتمد عليها في الإنتاج، وذلك من خلال تخصيص مبالغ مالية أكبر لهذا القطاع الصناعي.