في سلسلة النشاطات المتتالية، التي تمت في “بنكوك” لتيسير تطبيق إتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، إضافة للنشاطين، الذين تحدثنا عنهما في المقالتين السابقتين، المتعلقتين بورشة العمل العالمية بشأن التخلص التدريجي والتخلص النهائي من استعمال حشوة الملغم الزئبقي في طب الأسنان، وبالإجتماع السنوي لـ”التحالف العالمي من أجل طب أسنان خال من الزئبق” World Alliance for Mercury-Free Dentistry، واستراتيجة التحرك نحو المؤتمر الثاني لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق COP2، الذي سيعقد في جنيف، سويسرا، شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2018. نتحدث اليوم عن النشاط الهام الثالث، المتمثل بورشة العمل العالمية، التي نظمها “مكتب البيئة الأوروبي” European Environmental Bureau EEB مع “مجموعة العمل من أجل صفر زئبق” Zero Mercury Working Group ZMWG بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP و برنامج الهبات الصغيرة SGP/Asia في آسيا التابع للمرفق العالمي للبيئة GEF. شارك في هذه الورشة، إضافة لممثلين عن الجهات المنظِّمة، عدد كبير من الخبراء الدوليين بموضوع الزئبق واتفاقية ميناماتا، وممثلين عن منظمات غير حكومية ومراكز متخصصة بالصحة البيئية من مختلف بلدان العالم، من آسيا، وضمنا بلدان المنطقة العربية، وإفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتنية، التي تعمل على تطبيق اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، وعلى إدارة الكيماويات والنفايات عموما.
نظمت هذه الورشة تحت عنوان وشعار “لنبني تحالفات محلية وعالمية لإدارة الكيماويات والنفايات نحو تصفير استعمال الزئبق وإنتاجه وإمداداته والإتجار به وانبعاثاته وإطلاقاته.”
شعار الورشة يتطابق مع الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، ومع الأهداف البعيدة التي تسعى لتحقيقها، بغاية حماية صحة الإنسان والبيئة من مخاطر الزئبق ومركباته، هذا الملوث الكوني الخطير.
تركز عمل الورشة على مجموعة قضايا رئيسية تتضمنها مواد الاتفاقية ومرفقاتها، ولا سيما المنتجات المحتوية على الزئبق، وانبعاثات وإطلاقات الزئبق، وتعدين الذهب الحرفي ضيق النطاق، والتجارة العالمية بالزئبق. إضافة لأهمية التوعية والتثقيف ونشر الوعي حيال الزئبق ومخاطره، وآليات التطبيق الناجح لاتفاقية ميناماتا.
تعتبر مسألة الزئبق في المنتجات، والمنتجات المضاف إليها الزئبق من المسائل الهامة والمطروحة على جدول أعمال كل الدول الأطراف في الإتفاقية، ومنها لبنان طبعا، حيث أن الإتفاقية تتضمن لائحة من المنتجات المحتوية على الزئبق، التي يجب التخلص النهائي من إنتاجها واستعمالها والإتجار بها والتوقف النهائي عن تصديرها واستيرادها مع حلول العام 2020. لا تفصلنا عن هذا التاريخ إلا فترة قصيرة، علينا تحضير بلداننا للتهيؤ للتطبيق الكامل والناجح لهذا التوقف عن استعمال هذه المنتجات والتداول بها.
تتضمن هذه اللائحة أنواعا من البطاريات، والصابون، والكريمات التي تحتوي على أكثر من 1 جزء من مليون من الزئبق <1ppm Hg، وأجهزة القياس من موازين الحرارة وموازين الضغط، وبعض أنواع المصابح الموفرة (لمبات التوفير) المحتوية على كميات من الزئبق، وبعض أجهزة الفصل والمفاتيح الكهربائية المحتوية على الزئبق، ومبيدات الآفات ومواد تطهير الجروح.
إن النجاح في تطبيق هذه الإلتزامات تفترض البدء منذ الآن باتخاذ الخطوات التمهيدية والتحضيرية، التي تساعد الدول على النجاح في التخلص النهائي من إنتاج واستعمال هذه المنتجات واستيرادها والتداول به في التجارة الدولية في الموعد المحدد في الإتفاقية.
إن قطاع العناية الصحية، والمستشفيات والمراكز الطبية، واحد من أهم القطاعات المعنية بالتخلص النهائي من استعمال أجهزة القياس المحتوية على الزئبق، خصوصا وأن هناك بدائل رقمية متوفرة وموثوقة موجودة بأسعار معقولة، يمكنها أن تحل محل أجهزة القياس المحتوية على الزئبق بنجاح كامل.
وكذلك في مسألة التخفيف من انبعاثات الزئبق من العمليات الصناعية، ومن الأنشطة الصناعية وغير الصناعية المستعملة لأنواع من الوقود والفيول، التي تحتوي على نسب من الزئبق.
وهنا تبرز محارق النفايات، التي ينوي بعض القوى السياسية في السلطة في لبنان اعتمادها في إدارة النفايات عندنا، تشكل واحدا من أهم مصادر انبعاثات الزئبق، خاصة وأن ليس هناك نظاما للجمع المنفصل للنفايات المحتوية على الزئبق أو النفايات الملوثة بالزئبق، لكي تخضع لنظام من الإدارة الخاصة المنفصلة عن سيل النفايات الأخرى.
ناقشت ورشة العمل حاجة الدول لاتخاذ إجراءات تيسر منع التعرض للزئبق ومركباته، ووقف إنتاج المنتجات التي تحتويه، ووقف استعمالها واستهلاكها، والعمل الجاد على تخفيف إنبعاثات وإطلاقات الزئبق ومركباته تمهيدا لوقفها نهائيا. والعمل على اعتماد التقنيات البديلة، واستعمال المنتجات البديلة، ووضع رؤى متجددة وبرامج خلاقة لتطبيق مواد وإلتزامات الإتفاقية، ووضع برامج للرقابة والرصد والتحقق، ونسج التحالفات الوطنية والإقليمية والدولية للتنسيق وتآزر الجهود من أجل تطبيق ناجح وفعال لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق.