إضافة الى الوقود الأحفوري، الهواء وأشعة الشمس، تحتل المياه مركزاً مهماً جداً بين مصادر توليد الطاقة، وخاصةً بعد أن بدأت تظهر ملامح أزمة الطاقة على مستوى العالم، كنتيجة طبيعية لتسارع التغيرات المناخية، كذلك تعد الثروة المائية على رأس قائمة طويلة من المطامع الإستعمارية في الشرق الأوسط، فبالرغم من وجود “قواعد هلسنكي” التي تساعد في تفسير حقوق المياه بين البلدان، قامت “إسرائيل” بسرقة مياه نهر الأردن، فيما لاتزال تسرق من الأراضي السورية ما يقدر بحوالي 813 مليون متر مكعب سنوياً.
كذلك تعمل سبعون شركة ومؤسسة إسرائيلية، منذ عام 1995، في مشروع “غاب GAP “التركي العملاق ، في حين إشترى حوالي ستين رجل أعمال اسرائيلي أراض ٍ في منطقة ذلك المشروع العملاق يقدر إجمالي مساحتها بنحو أربعمائة وخمسين ألف فدان(بحسب مجلة “دوت dot ” التركية)، أيضاً بهدف التحكم بالمياه والضغط على سوريا والعراق.
ويعلم جميع المتابعون للشأن البيئي والسياسي، أن تركيا عمدت في خطوةٍ إستعمارية نحو السيطرة على مياه نهري دجلة والفرات، الى إنشاء أكبر السدود على هذين النهرين، ضمن مشروع “غابGAP” جنوب شرق تركيا، والذي يتألف من 22 سداً (أهمها سد أتاتورك) وتُقدر القدرة التخزينيّة للمشروع بأكثر من 100 مليار متر مُكعب (ثلاثة أضعاف القُدرة التخزينيّة لسدود سوريا والعراق مُجتمعة)، وسيبنى على المشروع 19 محطة للطاقة الكهربائية، ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والإتصالات، وهو من حيث المساحة أضخم مشروع في العالم، حيث يشمل ثماني محافظات وعند إتمامه ستتجاوز مساحة الزراعة المروية من خلاله الثمانية ملايين هكتار أي نحو20 % من مساحة الأراضي المروية في تركيا كلها، وتوفيرأكثر من مليوني فرصة عمل جديدة في هذه المناطق ذات الأكثرية الكردية.
إلا أن هذه الأكثرية الكردية ممثلةً بأكبر أحزابها “حزب العمال الكردستاني”، طالما عرقلت تنفيذ هذا المشروع من خلال عملياتها العسكرية المستمرة على الأراضي التركية (تقاتل بهدف بناء وطن للأكراد)، علماً أن تركيا ومعها “اسرائيل” كانت تنتظر من هذا المشروع الضخم أن ينهض بالإقتصاد التركي المتدهور، على حساب تدمير حقيقي للتنوع البيئي والطبيعي في المنطقة كلها،حيث سيؤدي حتماً الى إنخفاض مناسيب المياه الواصلة الى العراق وسوريا، وبالتالي تَدمير ألاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، فيما ستتسع رقعة التصحر، وبالتالي سيترك المزارعين على ضفتي النهر قُراهم، وهو أسلوب أخر نحو تهجير الأقليات السورية (غالبية الشعوب التي تقطن تلك الضفاف هي أقليات أشورية أو كلدان وسريان أو أكراد)، كما سيؤدي إنخفاض كمية المياه المتدفقة من الفرات ودجلة الى تراجع في توليد الطاقة الكهربائية.
ذاته “حزب العمال الكردستاني”، شكل في مناطق مرور دجلة و الفرات ضمن تفاصيل محافظتَي الرقة ودير الزور، النواة الأساسية لما دُعيَّ فيما بعد “قوات سوريا الديمقراطية” والتي دعمتها ولاتزال الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول “الإستعمار الجديد” سراً وعلناً، لاستخدامها، كأداة طيعة، في السيطرة على أهم مجاري الأنهار في المنطقة الشرقية من سوريا.
هذه القوات الكردية، رضخت اليوم لأوامر داعمها وممولها الأول رئيس الولايات المتحدة الأميركية، حيث وافقت على تنفيذ بنود “اتفاق منبج”، فسحبت قواتها من تلك المنطقة بكل سلام (ناسيةً حقوق الأكراد في اقامة دولتهم) لتحل محلها القوات التركية، التي ستتولى بالإشتراك مع القوات الأميركية السيطرة على المنطقة وثرواتها،بما فيها الثروة المائية العظيمة.
يقدم “المستعمر الأميركي” اليوم إنسحاب الكرد من منبج كهدية للأتراك بهدف تحسين علاقاته مع أنقرة، وفي مقاربةٍ بسيطةٍ، مع قصة القرصان الويلزي المجرم ” هنري مورغان”، والذي استخدمته المملكة المتحدة، إبان حربها مع إسبانيا، في القرن السابع عشر، لغزو المستعمرات الإسبانية ، ولكن ما أن عقدت المملكتان (بريطانيا واسبانيا) صلحاً حتى ألقى الإنكليز القبض على مورغان (استرضاءً للإسبان) وتم ترحيله إلى لندن، بقصد محاكمته، ولكن المهزلة كانت في أن مورغان استُقبِلَ استقبال الأبطال من العامة والشخصيات البارزة والعائلة المالكة بمن فيهم الملك تشارلز الثاني، بعدها إشترى مورغان لقب “سير” بأمواله التي سلبها من مستعمرات الإسبان، وتحول يومها من مجرم إلى قاضٍ يحاكم القراصنة، فهل يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تتحول من قوات تحارب الى جانب أعداء الوطن من أجل تجزأة البلاد، الى قوة تشارك يوماً ما في “إعادة إعمار سوريا”؟ من يعش يرَّ.