يفاقم التغير المناخي من أزمات عديدة في نظام الكرة الأرضية البيئي، وإذ يلقي بثقله بتفاوت بين مجال وآخر، إلا أن تدخّله في رفع نسبة الجفاف والتصحّر في الدول أمر أساسي إضافة إلى تورّط الأنشطة البشرية في تدهور الوضع بشكل رئيسي.
تغطي النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة أكثر من ثلث مساحة الأرض وهي معرّضة بشكل كبير للإستغلال المفرط، إضافة إلى إزالة الأحراج والرعي الجائر، ممارسات الري السيئة وغيرها من الأسباب التي باتت من البديهيات.
وبينما يتعرض أكثر من 250 مليون شخص للتأثر مباشرة بالتصحر، ويتعرض نحو بليون شخص في أكثر من مائة بلد للخطر. ويشمل هؤلاء الأشخاص العديد من أفقر سكان العالم وأكثرهم تهميشاً وأضعفهم مواطنة سياسياً.. يحتفل العالم في 17 حزيران -يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة التصحّر والجفاف، وبينما علت الأصوات المهددة بندرة المياه وخصوصاً في العالم العربي، ها إن العراق باتت الدولة العربية الأولى التي يطرق بابها التصحّر والجفاف لأسباب بيئية وسياسية!
المعلومات كثيرة في هذا الإطار والتأكيدات على ألسنة المسؤولين العراقيين فقد نشرت صحيفة “العرب” اللندنية، مقالاً لمدير قسم المياه الدولية في وزارة الخارجيّة العراقية، ناجي حرج الذي سلط من خلاله الضوء على الأزمة المائية الأخيرة التي دخلها العراق، بسبب بناء تركيا سد اليسو على نهري دجلة الفرات، فيما أشار الى أن ما حدث كان بجزء منه، ناتج عن قصور “متعمد” من قبل الحكومة.
بينما أبدت وزارة الصحة العراقية تخوفها من انتشار الأمراض الوبائية بسبب انخفاض منسوب مياه نهر دجلة وتدني جودة المياه وتلوثها حيث وجهت محطات تنقية ماء الشرب بضرورة زيادة نسبة مادة كلور التعقيم للتخلص من البكتريا الممرضة، علماً أن 75 من المئة مياه الصرف الصحي للمدن على الواقع ضفاف نهر دجلة يجري صرفها في نهر دجلة من دون معالجة خاصة العاصمة بغداد بتعداد نفوسها الذي يتجاوز ثمان ملايين نسمة، مع الإشارة إلى أن متوسط درجة الحرارة لايقل 40 درجة مئوية.
الخبير في شؤون المياه في الشرق الأوسط صاحب الربيعي يشير في حديث لـ greenarea.info إلى أن العراقهو أكثر بلد معرض للتصحير المتعمد وليس للتصحر كظاهرة عالمية!!
فيقول:” إن كان العالم يعاني من ظاهرة التصحر بسبب التغيرات المناخية العالمية وسوء إدارة الأراضي والمياه، فإن العراق يعاني من ظاهرة التصحير المتعمد لقتل الزرع والضرع لا بسبب التغيرات المناخية العالمية وحسب بل بسبب الإجراءات غير المنصفة لدول المنبع. فتركيا من جهة تحبس مياه نهري دجلة والفرات خلف سدودها الكثيرة وإيران من جهة ثانية حوَلت معظم روافد نهر دجلة إلى عمق أراضيها وشيدت السدود وبذلك خسر العراق معظم موارده المائية المتأتية من خارج الحدود على نحو مخالف للقوانين الدولية.”
نظراً لتلك المجريات يمكن بحسب الربيعي عدّ ذلك خطوة معادية تهدف إلى تصحير العراق الذي يطلق عليه هبة الرافدين والسلة الغذائية للحضارات الغابرة. وفي المقابل لم تبد الحكومات المتعاقبة على حكم العراق الحرص الكافِ على مواجهة الإجراءات غير الودية للجارتين تركيا وإيران وترافق ذلك مع سوء إدارة الملف المائي ليس فقط على مستوى المفاوضات مع دول الجوار حول المياه وحسب بل على المستوى الداخلي. فلم تعالج مشكلات الهدر المائي في الزراعة والاستخدام المنزلي والتلوث مما أثر سلباً بخصوبة التربة وقلة إنتاجيتها، ومع الزمن خروجها من حيز الاستخدام الزراعي لتعرضها للتملح فزادت مساحات التصحر .
في الشق البيئي، يتحدث الربيعي عن موجات الجفاف المتعاقبة وانحباس الأمطار الذّي أدى إلى تراجع المساحات الزراعية الديمية ومساحات كبيرة من الأراضي المروية فهاجرت من الريف أعداد كبيرة من المزارعين وتصحرت الأراضي على نحو أكبر وتدهورت خصوبة التربة وانخفضت الجدوى الاقتصادية للإنتاج الزراعي المحلي مقابل غزو السوق المحلية بالمنتجات الزراعية المستوردة ذات الأسعار المنخفضة فأخرجت المنتجات الزراعية المحلية من المنافسة في السوق.
في خلاصة الموضوع، تضافرت العوامل الخارجية والداخلية على نحو تعسفي في تحويل العراق من هبة الرافدين إلى هبة الصحراء فما يسمّيه الربيعي “الثالوث غير المقدس” ـ غلق دول الجوار لحنفية مياه النهرين، والجفاف، وسوء إدارة الأرض والمياه ـ سينذر بمستقبل مشؤوم ـ عام 2040 ـ ليصبح مجرا الرافدين من دون ماء، وأرض جرداء، وعجز بماء الشرب، وسلة غذاء من خارج الحدود، وسيتحول اسم العراقي من ابن الرافدين إلى أبن الصحراء.
إنها مؤامرة خارجية وداخلية تعب المعنيون من كثر المناشدة ولكن لا آذان صاغية، فمنذ أكثر من عقد من الزمن حتى رجال الدين خاطبهم الربيعي دون نتيجة لذلك اصبح مقتناً بوجود مشروع لتصحير العراق يشترك فيه الخارج والداخل !!
الصمت العربي رهيب في كل ما يخص الدول العربية، وفي حين أن المخرّبين يعيثون شراً في مواضع البلد الحساسة بدءاً بفلسطين وصولاً إلى العراق .. يكون السؤال الأكبر : من التالي ؟