كانت ولا تزال الطبيعة، تشكّل المرجع الأساسي للكثير من الإنتاجات البشريّة، على كافة الأصعدة، نظراً إلى التنوّع البيولوجي الغني الذي تتمتع به، والذي يعتبر أساس إستمرار البشرية، خاصة فيما يتعلق بالشق الطبّي. لذلك فإن الحفاظ على هذا التنوّع أصبح ضرورة ملّحة.
و في هذا السياق، تعرّف منظمة الصحة العالمية، التنوّع البيولوجي على أنّه يدعم الحياة على كوكب الأرض، ويعني التنوّع الموجود في الكائنات الحيّة، الذي يتراوح بين التركيب الجيني للنباتات والحيوانات، وبين التنوع الثقافي.
أدوية تعتمد على التنوّع البيولوجي
تعتمد النسبة الأكبر من الأدوية، على التنوّع البيولوجي بكافة أشكاله. في هذا الإطار، يذكر تقرير صادر عن وزارة البيئة المصرية، إنّ هذا التنوّع له العديد من الفوائد من بينها أنه يعد مصدراً للغذاء، ويدخل فى مواد البناء وصناعة الورق والوقود، والمنسوجات ومنتجات صناعیة والدواء، بجانب عدد من الفوائد الإقتصادية، حيث تقدّر خدمات النظم البیئیة على نطاق العالم بمئات التریلیونات من الدولارات.
وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور أيمن حمادة، مدير قطاع الأنواع والأجناس في قطاع حماية الطبيعة، في وزارة البيئة المصرية، أن 75 في المئة من الأدویة، الأكثر إستخداماً في العالم تحتوى على مستخلصات من النباتات، أحد مظاهر التنوع البيولوجي، مشيراً إلى أن الملقحات من الحشرات كالنحل، تمثل أكثر من 200 بليون دولار سنویاً من إقتصاد الغذاء العالمي، والغابات تمثل موئل لـ80 في المئة، من الحیوانات والنباتات الأرضیة وتوفر سبل العیش لحوالي 1.6 بليون إنسان.
في الجهة المقابلة، أشار التقرير إلى أن الأسماك أيضاً مصدراً للبروتین لحوالي 3 بلايين إنسان، ويعتمد 80 في المئة من سكان الأماكن الریفیة، فى دول العالم الثالث على النباتات الطبیّة، كوسیلة للعلاجات الأساسیة، مشيراً إلى أن العالم يحتاج إلى مبالغ، تتراوح ما بين 150 إلى 440 بليون دولار سنویاً، لوقف خسائر التنوّع البیولوجي فى منتصف القرن الحالي.
مصدر إعتماد رئيسي
تتجلى أهمية التنوّع البيولوجي، في كونه مصدر إعتماد رئيسي في مختلف جوانب حياة الإنسان، لذلك فإن فقدانه يؤثر مباشرةً على حياته.
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن البشر يعتمدون على التنوع البيولوجي، في حياتهم اليومية على نحو لا يكون واضحاً ولا ملحوظاً بصورة دائمة. فصّحة الإنسان تعتمد إعتماداً جذرياً على منتجات، وخدمات النظام الإيكولوجي (كتوافر المياه العذبة والغذاء ومصادر الوقود)، وهي منتجات وخدمات لا غنى عنها لتمتع الإنسان بالصحة الجيّدة، ولسبل العيش المنتجة.
مما يعني، أنّ خسارة التنوّع البيولوجي يمكن أن تكون لها، آثار هامة ومباشرة على صحة الإنسان .بالإضافة إلى ذلك فإن التنوّع الفيزيائي البيولوجي، للكائنات المجهرية والنباتات والحيوانات، يتيح معرفة واسعة لها فوائد هامة في العلوم البيولوجية والصحيّة والصيدلانية.
فضلاً عن إكتشافات طبية وصيدلانية هامة، تتحقق بفضل تعزيز فهم التنوع البيولوجي على كوكب الأرض. مما يعني انّ خسارة هذا التنوّع ، تسبب في الحد من إكتشاف العلاجات المحتملة، لكثير من الأمراض والمشاكل الصحيّة.
الطب التقليدي
على الرغم من التطوّر الهائل في المجال الطبّي، فيما يتعلق بعلاج الكثير من الأمراض، إلاّ أن الطب الطبيعي يبقى الأكثر طلباً وإستهلاكاً. وحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن الطب التقليدي (الشعبي)، مازال له دور أساسي في الرعاية الصحية، وخصوصاً الرعاية الصحية الأولية.
إذ تشير التقديرات إلى أن 60٪ من سكان العالم، يستخدمون الطب التقليدي (الشعبي)، وفي بعض البلدان يندرج الطب التقليدي (الشعبي) على نطاق واسع ضمن نظام الصحة العمومية.
كذلك يُعتبر إستعمال النباتات الطبيّة أشيع أداة دوائية في الطب التقليدي (الشعبي)، والطب التكميلي على نطاق العالم. إذ يعتمد كثير من المجتمعات المحليّة، على المنتجات الطبيعية التي تُجمع من النُظم الإيكولوجية لأغراض دوائية وثقافية، بالإضافة إلى الأغراض الخاصة بالغذاء.
لذلك وعلى الرغم من توافر الأدوية المخلقة، لأغراض كثيرة فإن الإحتياج إلى المنتجات الطبيعية، والطلب عليها مستمران على نطاق العالم، لإستعمالها كمنتجات دوائية وفي بحوث الطب الحيوي، التي تعتمد على النباتات والحيوانات والميكروبات، في فهم وظائف أعضاء الإنسان وفي فهم وعلاج الأمراض التي تصيبه.
تبقى الطبيعة الأم، مصدر رئيسي وأساسي لبقاء الإنسان على قيد الحياة، إذ أنّ كل تنوع فيها يشكّل، مورد مهم لكافة حاجات إستمرارية الإنسان ، لذلك فإنّ مهمة الحفاظ عليها تقع على عاتق البشر، وتعتبر القضية الأهم بالنسبة لهم.