بين مركزية ولا مركزية، سقطت المعايير البيئية لتستمر المكبات العشوائية في ظل أزمة فاقت ما سبقها، ترافقت مع قصور المسؤولين وعبر سائر الحكومات المتعاقبة عن حل هذا الملف.
وهذا إن دل على شيء، فعلى العجز في السير باتجاه إدارة سليمة ومتكاملة بيئيا، نتيجة ممارسات قوى السلطة الفوقية في هذا الملف، فضلا عن قرارات الحكومة وخطتها المجتزأة.
ملايين الدولارات التي صرفت في هذا الملف تقدر بالمئات، والنتيجة ردم البحر، تعطيل معامل الفرز، استنزاف أموال البلديات التي عمدت الى صرف عمالها المياومين في مناطق عدة، ومنهم عمال النظافة، والنتيجة مكبات على مد النظر ومن كل حدب وصوب، فيما الوقت يضيق أكثر، ولا بوادر لقرار السياسي بحجم هذا الملف.
كل يوم مكب جديد!
وفي هذا السياق، ومن خلال متابعتنا لقرى وبلدات قضاء صور، وهي تشهد فصلا جديدا من فصول أزمة النفايات، نتيجة إقفال معمل عين بعال قبل أحد عشر شهرا، بدا واضحا أن الأزمة تفاقمت على نحو كبير مؤخرا، أي بعد انتشار المكبات العشوائية التي بدأت في رصدها هيئة شعبية تعنى بمتابعة قضايا البيئة في قضاء صور.
والمفجع أنه كل يوم ترصد الهيئة مكبا جديدا، حتى بات لكل بلدة مكب أو اكثر نتيجة تعثر البلديات لجهة عدم قدرتها على احتواء الأزمة الناشئة، خصوصا بعد صدور قرار من قبل بلدية البرج الشمالي بإقفال مكب “شرناي” القائم في نطاقها العقاري، والذي كانت تطمر فيه مجمل نفايات المنطقة من قبل احد المستثمرين في النفايات، كما أن قرار “اتحاد بلديات صور” بالانتقال الى المكب المجاور الواقع ضمن نطاق بلدة العباسية أثار حفيظة بلدية العباسية واستنكار الأهالي.
العباسية معنية بنفاياتها فقط
وأصدرت بلدية العباسية بيانا رفضت فيه قرار “اتحاد بلديات صور”، جاء فيه: “حرصاً منا على وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وتعقيبا على الكلام والأقاويل والبيانات التي تصدر من هنا وهناك حول موافقة بلدية العباسية على استقبال نفايات بلدات اتحاد بلديات صور في العقارات التابعة لها، نؤكد نفينا القاطع والجازم لهكذا أخبار، ونعلن أن بلدية العباسية معنية بنفايات البلدة فقط، وهي كانت قد استحدثت منذ حوالي العام مكبا خاصاً لها، تُرمى فيه نفايات بلدة العباسية حصرا، وهو يراعي بالحد الأدنى المواصفات البيئية المطلوبة من حيث الطمر والفرز”.
وأضاف البيان: “نلفت الإنتباه إلى أن البلدية لم ولن تستحدث أي مكب جديد لاستقبال نفايات البلديات الأخرى، وهي أيضاً لن تسمح تحت أي ظرف كان، لأي بلدية كانت بتصدير نفاياتها إلى عقارات العباسية، وهي اتخذت لهذه الغاية الإجراءات العملية والقانونية الضرورية للتصدي لأي محاولة من هذا النوع. كما أنها لن ترضخ لأي ضغوطات من أي جهة أتت، للسماح بتحويل العباسية إلى مكب نفايات للمدن والبلدات والقرى المحيطة بها”.
وأكد البيان أن “سلامة المواطنين وصحتهم وصحة أطفالهم تأتي في سلم اهتماماتنا وأولوياتنا. كما أن سلامة بيئة البلدة كانت ومازلت هدفا رئيسا لنا، وهي فوق كل اعتبار”.
“حرب” بيانات
وامتدت المشكلة لتتحول “حرب بيانات” ، بيان من هنا وبيان من هناك، فيما الأزمة مستمرة وليس ثمة حل في الأفق، خصوصا وأن النفايات راحت تتكدس في كل مكان.
كر وفر ما شهدته المنطقة مؤخرا، بلدية البرج الشمال أزالت تعد بالنفايات الصلبة والردميات عن قناة ري القاسمية التابع للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وجاء ذلك بعد اقفالها لمكب شرناي وتصعيد شعبي وطلب من قبل المصلحة التي ارسلت آلية وباشرت بإزاحة المكب عن حرم القناة.
وبحسب ما جاء في سياق حديث رئيس بلدية البرج الشمالي السيد علي ديب لــ greenarea.info، فإن “هذا المكب مؤلف بمعظمه من ردميات وبعض النفايات الصلبة التي لا تتجاوز (15 نقلة) قامت برميها شاحنات غريبة خلسة”، لافتا إلى أن “النطاق العقاري نتقاسمه مع بلدية العباسية ورغم ذلك قمنا بإزالة المكب كاملا ونقل الردميات الى كسارة قديمة في العباسية، حرصا منا على سير الامور بشكل أفضل، خصوصا وأن اتهامنا بهذا المكب هو زور وتضليل وتشويه للحقائق”.
اجتماع صور
وسط الأزمة الناشئة، ترأست وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في حكومة تصريف الاعمال الدكتورة عناية عزالدين اجتماعا اليوم، في مبنى الوزارة لمناقشة الخطوات التنفيذية للخطة المتكاملة لمعالجة أزمة النفايات في منطقة صور ولعرض وضع إدارة النفايات الصلبة هناك.
ضم الاجتماع رئيس اتحاد بلديات صور حسن دبوق، ممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ومجلس الإنماء والإعمار CDR بالإضافة إلى فريق عمل الوزارة والاستشاري المكلف بالدراسة والإشراف على تحسين معمل عين بعال.
وتخلل الاجتماع عرض للوضع الراهن للنفايات في منطقة صور وتحديدا لمعمل المعالجة في عين بعال كما تمت مناقشة خطوات اطلاق حملة توعية لإدارة النفايات هناك. وقد قام موظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ UNDP خلال الاجتماع، بشرح أنشطتهم التجريبية الناجحة في مجال إدارة النفايات الصلبة التي تم تنفيذها ضمن نطاق ضيق وتمت مناقشة احتمال تنفيذها في قرى صور ضمن نطاق تعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والوزارة. كذلك، قدم فريق الوزارة شرحا لبعض مكونات الخطة المتكاملة لإدارة النفايات الصلبة وكيفية تحسين معالجة النفايات واستكمال الفرز من المصدر”.
عزالدين
أشارت النائب عن منطقة صور وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في حكومة تصريف الاعمال الدكتورة عناية عزالدين لـ greenarea.info إلى أن “ملف النفايات يمكنني المساهمة فيه، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا الملف ليس بعهدتي”، وقالت: “إن أزمة النفايات امتدت إلى سائر المناطق اللبنانية، ولمعالجتها لا بد من خطة متكاملة، بدءا من الفرز من المصدر، والتدوير والتسبيخ وصولا إلى معالجة العوادم، وهذا الأمر يتطلب تضافر الجهود على مستويات عدة، المواطن والمجتمع المدني والبلديات والدولة”.
ولفتت عزالدين إلى أن “أزمة النفايات متراكمة حاليا لأنها لم تمر بمسار صحيح ومتكامل، وكانت المعالجات سابقا موضعية، لغياب الخطة الشاملة، ونحن حاليا نعلم أن هناك وضعا بيئيا وصحيا ضاغطا جدا، ونأسف لمعاناة المواطن اللبناني ولمعاناة وطن مثل لبنان ولمعاناتنا جميعا جراء هذه الأزمة”.
وأضافت: “حاليا بدأنا بالمعالجة، ولكن الخطط الجذرية بهذا الموضوع تتطلب الوقت، والمعالجات الجذرية أيضا تتطلب عقلية مختلفة في التعاطي مع الأمور، وتتطلب كذلك توزيع المسؤوليات والأدوار على جميع المعنيين بهذا الملف، من المواطن إلى الدولة، ومن الدولة إلى مختلف المؤسسات المعنية، خصوصا وأن ثمة هيئات منظمة وأخرى مشغلة ومنفذة، فضلا عن هيئات تضع السياسات وهيئات تشريعية، ومبدئيا نحن أمام ورشة عمل متراكمة، ويجب أن نبدأ من مكان ما”.
وردا على سؤال، قالت عزالدين: إن معمل عين بعال شارف على الانتهاء من إعادة تأهيله، وسيطلق اتحاد بلديات صور مناقصة التشغيل، ونحن بصدد الاعداد والتحضير لخطة متكاملة سنعلن عنها في حينه”.
وبخصوص ما يشاع عن وجود توجه لاستخدام محرقة في قضاء صور، قالت عزالدين: “حاليا في الجنوب ليس ثمة مثل هذا التوجه، إلى أن تقرر الدولة كيف ستتعاطى مع حل مشكلة العوادم، وإذا لم يكن ثمة من يريد مطامر ولا معامل في منطقته، فأين ستعالج الدولة هذه المشكلة؟”، ورأت أن “هناك أمورا تعجيزية في هذا الموضوع، ذلك أن أحدا لا يرضى بمعمل معالجة أو مطمر صحي في منطقته، والدولة مسؤولة في هذا المجال كما أننا جميعا مسؤولون أيضا”.
إدارة مكتاملة للنفايات
تبقى الإشارة إلى أنه بات من المؤكد أن الأزمة في طريق مسدود، على الأقل في مدى الأسابيع القليلة المقبلة، وسط سجالات لا يمكن أن تساهم في المعالجة وإنما في تبديد الجهود لبلورة تصور مشترك لحل نهائي ناجز.
إلى توثيق المكبات كجزء ومقدمة لحل شامل، لا بد من أن تتجه الأمور نحو ترسيخ رؤى مشتركة بين سائر البلديات المعنية، على قاعدة اعتماد إدارة مكتاملة للنفايات، وفق معايير بيئية وصحية، وتظيف كل الجهود في هذا الاتجاه.